البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٠٠
على من يفعلها مثل قوله تعالى : كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ «١»، أي شق ذلك وثقل.
إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ : استثناء مفرغ، لأن المعنى : وإنها لكبيرة على كل أحد إلا على الخاشعين، وهم المتواضعون المستكينون، وإنما لم تشق على الخاشعين، لأنها منطوية على أوصاف هم متحلون بها لخشوعهم من القيام للّه والركوع له والسجود له والرجاء لما عنده من الثواب. فلما كان مآل أعمالهم إلى السعادة الأبدية، سهل عليهم ما صعب على غيرهم من المنافقين والمرائين بأعمالهم الذين لا يرجون لها نفعا. ويجوز في الَّذِينَ الاتباع والقطع إلى الرفع أو النصب، وذلك صفة مدح، فالقطع أولى بها.
ويَظُنُّونَ معناه : يوقنون، قاله الجمهور، لأن من وصف بالخشوع لا يشك أنه ملاق ربه ويؤيده أن في مصحف عبد اللّه الذين يعلمون. وقيل معناه : الحسبان، فيحتاج إلى مصحح لهذا المعنى، وهو ما قدّروه من الحذف، وهو بذنوبهم فكأنهم يتوقعون لقاء ربهم مذنبين، والصحيح هو الأول، ومثله إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ «٢»، فظنوا أنهم مواقعوها. وقال دريد :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في السائريّ المسرّد
قال ابن عطية : قد يوقع الظن موقع اليقين في الأمور المتحققة، لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس. لا تقول العرب في رجل مرئيّ حاضر : أظن هذا إنسانا، وإنّما نجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحس، انتهى. والظن في كلا استعماليه من اليقين، أو الشك يتعدّى إلى اثنين، وتأتي بعد الظن أن الناصبة للفعل وإنّ الناصبة للاسم الرافعة للخبر فتقول : ظننت أن تقوم، وظننت أنك تقوم. وفي توجيه ذلك خلاف. مذهب سيبويه :
أن أن وإن كل واحدة منهما مع ما دخلت عليه تسد مسد المفعولين، وذلك بجريان المسند والمسند إليه في هذا التركيب. ومذهب أبي الحسن وأبي العباس : أن أن وما عملت فيه في موضع مفعول واحد أول، والثاني مقدّر، فإذا قلت : ظننت أن زيدا قائم، فتقديره : ظننت قيام زيد كائنا أو واقعا. والترجيح بين المذهبين يذكر في علم النحو.
أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ، الملاقاة : مفاعلة تكون من اثنين، لأن من لاقاك فقد لاقيته.
وقال المهدوي والماوردي وغيرهما : الملاقاة هنا، وإن كانت صيغتها تقتضي التشريك،
(١) سورة الشورى : ٤٢/ ١٣. [.....]
(٢) سورة الحاقة : ٦٩/ ٢٠.