البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٢٤
تقتضي وقوع الاتخاذ بعد مهلة من المواعدة، ومن تقتضي ابتداء الغاية في التعدية التي تلي المواعدة، إذ الظاهر عود الضمير على موسى، ولا تتصوّر التعدية في الذات، فلا بد من حذف، وأقرب ما يحذف مصدر يدل عليه لفظ واعدنا، أي من بعد مواعدته، فلا بد من ارتكاب المجاز في أحد الحرفين، إلا أن قدر محذوف غير المواعدة، وهو أن يكون التقدير من بعد ذهابه إلى الطور، فيزول التعارض، إذ المهلة تكون بين المواعدة والاتخاذ. ويبين المهلة قصة الأعراف، إذ بين المواعدة والاتخاذ هناك جمل كثيرة، وابتداء الغاية يكون عقيب الذهاب إلى الطور، فلم تتوارد المهلة والابتداء على شيء واحد، فزال التعارض.
وقيل : الضمير في بعده يعود على الذهاب، أي من بعد الذهاب، ودل على ذلك أن المواعدة تقتضي الذهاب، فيكون عائدا على غير مذكور، بل على ما يفهم من سياق الكلام، نحو قوله تعالى : حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ «١»، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً «٢» أي توارت الشمس، إذ يدل عليها قوله : بالعشي، وأي فأثرن بالمكان، إذ يدل عليه وَالْعادِياتِ «٣» فَالْمُورِياتِ «٤»، فَالْمُغِيراتِ «٥»، إذ هذه الأفعال لا تكون إلا في مكان فاقتضته ودلت عليه. وقيل : الضمير يعود على الانجاء، أي من بعد الانجاء، وقيل : على الهدى، أي من بعد الهدى، وكلا هذين القولين ضعيف.
وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ : جملة حالية، ومتعلق الظلم. قيل : ظالمون بوضع العبادة في غير موضعها، وقيل : بتعاطي أسباب هلاكها، وقيل : برضاكم فعل السامري في اتخاذه العجل، ولم تنكروا عليه. ويحتمل أن تكون الجملة غير حال، بل إخبار من اللّه أنهم ظالمون : أي سجيتهم الظلم، وهو وضع الأشياء في غير محلها. وكان المعنى : ثم اتخذتم العجل من بعده وكنتم ظالمين، كقوله تعالى : اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ. وأبرز هذه الجملة في صورة ابتداء وخبر، لأنها أبلغ وآكد من الجملة الفعلية ولموافقة الفواصل.
وظاهر قوله : ثم اتخذتم العموم، وأنهم كلهم عبدوا العجل إلا هارون، وقيل : الذين عكفوا على عبادته من قوم موسى ثمانية آلاف رجل، وقيل : كلهم عبدوه إلا هارون مع اثني عشر ألفا، قيل : وهذا هو الصحيح، وقيل : إلا هارون والسبعين رجلا الذين كانوا مع موسى. واتخاذ السامري العجل دون سائر الحيوانات، قيل : لأنهم مرّوا على قوم يعكفون
(١) سورة ص : ٣٨/ ٣٢.
(٢) سورة العاديات : ١٠٠/ ٤.
(٣) سورة العاديات : ١٠٠/ ١.
(٤) سورة العاديات : ١٠٠/ ٢.
(٥) سورة العاديات : ١٠٠/ ٣.