البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٢٧
قاله ابن بحر وابن زيد، أو الفرح من الكرب لأنهم كانوا مستعبدين مع القبط، ومنه قوله تعالى : يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً «١»، أي فرجا ومخرجا. وهذا القول راجع لمعنى النصر أو القرآن. والمعنى أن اللّه آتى موسى ذكر نزول القرآن على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم حتى آمن به، حكاه ابن الأنباري، أو القرآن على حذف مفعول، التقدير : ومحمدا الفرقان، وحكي هذا عن الفراء وقطرب وثعلب، وقالوا : هو كقول الشاعر :
وزججن الحواجب والعيونا التقدير : وكحلن العيون. ورد هذا القول مكي والنحاس وجماعة، لأنه لا دليل على هذا المحذوف، ويصير نظير : أطعمت زيدا خبزا ولحما، ويكون : اللحم أطعمته غير زيد، ولأن الأصل في العطف أنه يشارك المعطوف والمعطوف عليه في الحكم السابق، إذا كان العطف بالحروف المشتركة في ذلك، وليس مثل ما مثلوا به من : وزججن الحواجب والعيون، لما هو مذكور في النحو. وقد جاء : وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً «٢»، وذكروا جميع الآيات التي آتاها اللّه تعالى موسى لأنها فرقت بين الحق والباطل، أو انفراق البحر، قاله يمان وقطرب، وضعف هذا القول بسبق ذكر فرق البحر في قوله : وَإِذْ فَرَقْنا «٣»، وبذكر ترجية الهداية عقيب الفرقان، ولا يليق إلا بالكتاب. وأجيب بأنه، وإن سبق ذكر الانفلاق، فأعيد هنا ونص عليه بأنه آية لموسى مختصة به، وناسب ذكر الهداية بعد فرق البحر لأنه من الدلائل التي يستدل بها على وجود الصانع وصدق موسى على نبينا وعليه السلام، وذلك هو الهداية، أو لأن المراد بالهداية النجاة والفوز، وبفرق البحر حصل لهم ذلك فيكون قد ذكر لهم نعمة الكتاب الذي هو أصل الديانات لهم، ونعمة النجاة من أعدائهم. فهذه اثنتا عشرة مقالة للمفسرين في المراد بالفرقان هنا.
لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ : ترجية لهدايتهم، وقد تقدم الكلام في لعل. وفي لفظ ابن عطية في لعل هنا، وفي قوله قبل : لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، أنه توقع، والذي تقرر في النحو أنه إن كان متعلق لعل محبوبا، كانت للترجي، فإن كان محذورا، كانت للتوقع، كقولك : لعل العدو يقدم. والشكر والهداية من المحبوبات، فينبغي أن لا يعبر عن معنى لعل هنا إلا بالترجي. قال القشيري : فرقان هذه الأمة الذي اختصوا به نور في قلوبهم، يفرقون به بين
(١) سورة الأنفال : ٨/ ٢٩.
(٢) سورة الأنبياء : ٢١/ ٣٨.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٥٠.