البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٤٠
في اختيار السبعين كيفية ستأتي، إن شاء اللّه تعالى، في مكانها في الأعراف. وقيل :
الضمير لسائر بني إسرائيل إلا من عصمه اللّه، قاله ابن زيد. وقيل : الذين انفردوا مع هارون ولم يعبدوا العجل. وقال بعض من جمع في التفسير : تظافرت أقوال أئمة التفسير على أن الذين أصابتهم الصاعقة هم السبعون رجلا الذين اختارهم موسى ومضى بهم لميقات ربه ومناجاته، وما ذكر لا يمكن مع ذكر الاختلاف في قوله : وَإِذْ قُلْتُمْ، لأن الظاهر أن القائل ذلك هم الذين أخذتهم الصاعقة، إلا إن كان ذلك من تلوين الخطاب، وهو هنا بعيد. وفي نداء بني إسرائيل لنبيهم باسمه سوء أدب منهم معه، إذ لم يقولوا :
يا نبي اللّه، أو يا رسول اللّه، أو يا كليم اللّه، أو غير ذلك من الألفاظ التي تشعر بصفات التعظيم، وهي كانت عادتهم معه : يا موسى لن نصبر على طعام واحد، يا موسى اجعل لنا إلها، يا موسى ادع لنا ربك. وقد قال اللّه لهذه الأمّة لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا..
لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ : قيل معناه : لن نصدّقك فيما جئت به من التوراة، ولم يريدوا نفي الإيمان به بدليل قولهم لك، ولم يقولوا بك نحو : وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا «١»، أي بمصدّق.
وقيل معناه : لن نقرّ لك، فعبر عن الإقرار بالإيمان وعدّاه باللام، وقد جاء لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ، قال : أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي «٢»، قالوا : أقررنا، فيكون المعنى :
لن نقرّ لك بأن التوراة من عند اللّه. وقيل : يجوز أن تكون اللام للعلة، أي لن نؤمن لأجل قولك بالتوراة. وقيل : يجوز أن يراد نفي الكمال، أي لا يكمل إيماننا لك، كما قيل في
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وأهله والناس أجمعين».
حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً حتى : هنا حرف غاية، أخبروا بنفي إيمانهم مستصحبا إلى هذه الغاية ومفهومها أنهم إذا رأوا اللّه جهرة آمنوا، والرؤية هنا : هي البصرية، وهي التي لا حجاب دونها ولا ساتر، وانتصاب جهرة على أنه مصدر مؤكد مزيل لاحتمال الرّؤية أن تكون مناما أو علما بالقلب. والمعنى حتى نرى اللّه عيانا، وهو مصدر من قولك : جهر بالقراءة وبالدعاء، أي أعلن بها فأريد بها نوع من الرّؤية، فانتصابها على حدّ قولهم : قعد القرفصاء، وفي : نصب هذا النوع خلاف مذكور في النحو. والأصح أن يكون منصوبا بالفعل السابق يعدى إلى النوع، كما تعدّى إلى لفظ المصدر الملاقي مع الفعل في الاشتقاق، وقيل انتصابه على أنه مصدر في موضع الحال على تقدير الحذف، أي ذوي

_
(١) سورة يوسف : ١٢/ ١٧.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ٨١.


الصفحة التالية
Icon