البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٦٨
المنزلة قال : فيزول التغاير في الكيفيات، ويحصل التوفيق بين الروايات. وهذا الكلام كما ترى. وظاهر القرآن : أن الحجر ليس بمعين، إذ لم يتقدم ذكر حجر فيكون هذا معهودا، وأن الاستسقاء لم يتكرّر، لا هو ولا الضرب ولا الانفجار، وأن هذه الكيفيات التي ذكروها لم يتعرّض لها لفظ القرآن، فيحتمل أن يكون ذلك متكررا، ويحتمل أن يكون ذلك مرة واحدة، والواحدة هي المتحققة.
فَانْفَجَرَتْ : الفاء للعطف على جملة محذوفة، التقدير : فضرب فانفجرت، كقوله تعالى : أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ «١» أي فضرب فانفلق. ويدل على هذا المحذوف وجود الانفجار مرتبا على ضربه، إذ لو كان يتفجر دون ضرب، لما كان للأمر فائدة، ولكان تركه عصيانا، وهو لا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وما ذهب إليه بعض الناس من أن الفاء في مثل : فانفلق، هي الفاء التي في ضرب، وأن المحذوف هو المعطوف عليه، وحرف العطف من المعطوف حتى يكون المحذوف قد بقي عليه دليل، إذ قد أبقيت فاؤه وحذفت فاء فانفلق، واتصلت بانفلق فاء فضرب تكلف وتخرص على العرب بغير دليل. وقد ثبت في لسان العرب حذف المعطوف عليه، وفيه الفاء حيث لا معطوف بالفاء موجود، قال تعالى : فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ «٢»، التقدير :
فأرسلوه فقال : فحذف المعطوف عليه والمعطوف، وإذا جاز حذفهما معا، فلأن يجوز حذف كل منهما وحده أولى. وزعم الزمخشري أن الفاء ليست للعطف، بل هي جواب شرط محذوف، قال : فإن ضربت فقد انفجرت، كما ذكرنا في قوله : فَتابَ عَلَيْكُمْ «٣»، وهي على هذا فاء فصيحة لا تقع إلا في كلام بليغ، اه كلامه.
وقد تقدّم لنا الردّ على الزمخشري في هذا التقدير في قوله : فَتابَ عَلَيْكُمْ، بأن إضمار مثل هذا الشرط لا يجوز، وبينا ذلك هناك، وفي قوله أيضا إضمار قد : إذ يقدر، فقد تاب عليكم، وقد انفجرت، ولا يكاد يحفظ من لسانهم ذلك، إنما تكون بغير فاء، أو إن دخلت الفاء فلا بد من إظهار قد، وما دخلت عليه قد يلزم أن يكون ماضيا لفظا ومعنى، نحو قوله : وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ «٤»، وإذا كان ماضيا لفظا ومعنى، استحال أن يكون بنفسه جواب الشرط، فاحتيج إلى تأويل وإضمار جواب شرط. ومعلوم أن الانفجار على ما قدّر يكون مترتبا على أن يضرب، وإذا كان مترتبا على مستقبل، وجب

_
(١) سورة الشعراء : ٢٦/ ٦٣.
(٢) سورة يوسف : ١٢/ ٤٥ و٤٦.
(٣) سورة البقرة : ٢/ ٥٤.
(٤) سورة فاطر : ٣٥/ ٤.


الصفحة التالية
Icon