البحر المحيط، ج ١، ص : ٣٨
قبلها، وكنى بها هنا عن العمل، قاله الفراء والملة، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً «١» إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ «٢»، والقهر، ومنه المدين للعبد، والمدينة للأمة، قاله يمان بن رئاب. وقال أبو عمرو الزاهد : وإن أطاع وعصى وذل وعز وقهر وجار وملك. وحكى أهل اللغة : دنته بفعله دينا ودينا بفتح الدال وكسرها جازيته. وقيل : الدين المصدر، والدين بالكسر الاسم، والدين السياسة، والديان السايس. قال ذو الإصبع عنه : ولا أنت دياني فتخزوني، والدين الحال. قال النضر بن شميل : سألت أعرابيا عن شيء، فقال : لو لقيتني على دين غير هذا لأخبرتك، والدين الداء عن اللحياني وأنشد :
يا دين قلبك من سلمى وقد دينا ومن قرأ بجر الكاف فعلى معنى الصفة، فإن كان بلفظ ملك على فعل بكسر العين أو إسكانها، أو مليك بمعناه فظاهر لأنه وصف معرفة بمعرفة، وإن كان بلفظ مالك أو ملاك أو مليك محولين من مالك للمبالغة بالمعرفة، ويدل عليه قراءة من قرأ ملك يوم الدين فعلا ماضيا، وإن كان بمعنى الاستقبال، وهو الظاهر لأن اليوم لم يوجد فهو مشكل، لأن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، فإنه تكون إضافته غير محضة فلا يتعرف بالإضافة، وإن أضيف إلى معرفة فلا يكون إذ ذاك صفة، لأن المعرفة لا توصف بالنكرة ولا بدل نكرة من معرفة، لأن البدل بالصفات ضعيف. وحل هذا الإشكال هو أن اسم الفاعل، إن كان بمعنى الحال أو الاستقبال، جاز فيه وجهان : أحدهما ما قدمناه من أنه لا يتعرف بما أضيف إليه، إذ يكون منويا فيه الانفصال من الإضافة، ولأنه عمل النصب لفظا. الثاني : أن يتعرف به إذا كان معرفة، فيلحظ فيه أن الموصوف صار معروفا بهذا الوصف، وكان تقييده بالزمان غير معتبر، وهذا الوجه غريب النقل، لا يعرفه إلا من له اطلاع على كتاب سيبويه وتنقيب عن لطائفه. قال سيبويه، رحمه اللّه تعالى، وزعم يونس والخليل أن الصفات المضافة التي صارت صفة للنكرة قد يجوز فيهن كلهن أن يكن معرفة، وذلك معروف في كلام العرب، انتهى. واستثنى من ذلك باب الصفة المشبهة فقط، فإنه لا يتعرف بالإضافة نحو حسن الوجه. ومن رفع الكاف ونون أو لم ينون فعلى القطع إلى الرفع. ومن نصب فعلى القطع إلى النصب، أو على النداء والقطع أغرب لتناسق الصفات، إذ لم يخرج بالقطع عنها. ومن قرأ ملك فعلا ماضيا فجملة خبرية لا موضع لها من الإعراب، ومن أشبع كسرة الكاف فقد قرأ بنادر أو بما ذكر أنه لا يجوز إلا في الشعر، وإضافة الملك أو الملك

_
(١) سورة المائدة : ٥/ ٣.
(٢) سورة آل عمران : ٣/ ١٩.


الصفحة التالية
Icon