البحر المحيط، ج ١، ص : ٤٠٣
فنكب عنهم درء الأعادي وادّار : تفاعل منه، ولمصدره حكم يخالف مصادر الأفعال التي أوّلها همزة وصل ذكر في النحو. القساوة : غلظ القلب وصلابته. يقال : قسا يقسو قسوا وقسوة وقساوة، وقسا وجسا وعسا متقاربة. الشق، أن يجعل الشيء شقين، وتشقق منه. الخشية : الخوف مع تعظم المخشي. يقال : خشي يخشى. الغفلة والسهو والنسيان متقاربة. يقال منه : غفل يغفل، ومكان غفل لم يعلم به.
وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً الآية. وجد قتيل في بني إسرائيل اسمه عاميل، ولم يدروا قاتله، واختلفوا فيه وفي سبب قتله. فقال عطاء والسدّي :
كان القاتل ابن عم المقتول، وكان مسكينا، والمقتول كثير المال. وقيل : كان أخاه، وقيل :
ابن أخيه، ولا وارث له غيره، فلما طال عليه عمره قتله ليرثه. وقال عطاء أيضا : كان تحت عاميل بنت عم لا مثل لها في بني إسرائيل في الحسن والجمال، فقتله لينكحها. وطوّل المفسرون في هذه الحكاية بما يوقف عليه في كتبهم. والذي سأل موسى البيان هو القاتل، قاله أبو العالية. وقال غيره : بل اجتمع القوم فسألوا موسى، ووجه مناسبة هذه الآية لما قبلها، أنه تقدم ذكر مخالفتهم لأنبيائهم وتكذيبهم لهم في أكثر أنبائهم، فناسب ذلك ذكر هذه الآية لما تضمنت من المراجعة والتعنت والعناد مرة بعد مرّة. وقوله : وَإِذْ قالَ معطوف على قوله : وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ «١»، وقوم موسى أتباعه وأشياعه. وقرأ الجمهور :
يأمركم، بضم الراء، وعن أبي عمرو : والسكون والاختلاس وإبدال الهمزة ألفا، وقد تقدم توجيه ذلك عند الكلام على بارئكم ويأمركم بصيغة المضارع، فيحتمل أن يراد به الحال، ويحتمل أن يراد به الماضي إن كان الأمر بذبح البقرة بما أنزل اللّه في التوراة، أو بما أخبر موسى، وأن تذبحوا في موضع المفعول الثاني ليأمر، وهو على إسقاط الحرف، أي بأن تذبحوا. ولحذف الحرف هنا مسوّغان : أحدهما : أنه يجوز فيه، إذا كان المفعول متأثرا بحرف الجر، أن يحذف الحرف، كما قال :
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به والثاني : كونه مع إن، وهو يجوز معها حذف حرف الجر إذا لم يلبس. ودلالة الكلام على أن المأمور به أن تذبحوا بقرة، فأي بقرة كانت لو ذبحوها لكان يقع الامتثال. وقد روى

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ٦٣.


الصفحة التالية
Icon