البحر المحيط، ج ١، ص : ٤٤٥
يشفعون لهم، أو ما يمنيهم أحبارهم من أن النار لا تمسهم إلا أياما معدودة، أو لا يعلمون إلا أكاذيب مختلفة سمعوها من علمائهم فنقلوها على التقليد، قاله ابن عباس ومجاهد، واختاره الفراء. وقيل : معناه إلا تلاوة، أي لا يعلمون فقه الكتاب، إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم. قال أبو مسلم : حمله على تمني القلب أولى، لقوله تعالى : وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ «١». وقرأ الجمهور : أماني، بالتشديد. وقرأ أبو جعفر وشيبة والأعرج وابن جمار، عن نافع وهارون، عن أبي عمرو :
أماني بالتخفيف، جمعه على أفاعل، ولم يعتد بحرف المد الذي في المفرد. قال أبو حاتم : كل ما جاء من هذا النحو واحده مشدد، فلك فيه التشديد والتخفيف مثل : أثافي، وأغاني، وأماني، ونحوه. قال الأخفش هذا، كما يقال في جمع مفتاح مفاتيح ومفاتح، وقال النحاس : الحذف في المعتل أكثر، كما قال :
وهل رجع التسليم أو يكشف العمى ثلاث الأثافي والرسوم البلاقع
وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ، إن هنا : هي النافية، بمعنى ما، وهم : مرفوع بالابتداء، وإلا يظنون : في موضع الخبر، وهو من الاستثناء المفرغ. وإذا كانت إن نافية، فدخلت على المبتدأ والخبر، لم يعمل عمل ما الحجازية، وقد أجاز ذلك بعضهم، ومن أجاز شرط نفي الخبر وتأخيره، والصحيح أنه لا يجوز، لأنه لم يحفظ من ذلك إلا بيت نادر وهو :
إن هو مستوليا على أحد إلا على أضعف المجانين
وقد نسب السهيلي وغيره إلى سيبويه جواز إعمالها إعمال ما، وليس في كتابه نص على ذلك. ومعنى يظنون، قال مجاهد : يكذبون، وقال آخرون : يتحدثون، وقال آخرون :
يشكون، وهو التردد بين أمرين، لا يترجح أحدهما على الناظر فيهما، والأولى حمله على موضوعه الأصلي، وهو الترجيح لأحد الأمرين على الآخر، إذ لا يمكن حمله على اليقين، ولا يلزم من الترجيح عندهم أن يكون ترجيحا في نفس الأمر. وقال مقاتل : معناه ليسوا على يقين، إن كذب الرؤساء، أو صدقوا، بايعوهم. انتهى كلامه. وأتى بالخبر فعلا مضارعا، ولم يأت باسم الفاعل، لأنه يدل على حدوث الظن وتجدده لهم شيئا فشيئا، فليسوا ثابتين على ظن واحد، بل يتجدد لهم ظنون دالة على اضطراب عقائدهم واختلاف أهوائهم. وفي هذه الآية دليل على أن المعارف كسبية، وعلى بطلان التقليد، وعلى أن

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ١١١. [.....]


الصفحة التالية
Icon