البحر المحيط، ج ١، ص : ٤٦٩
تتظاهرون على الأصل. فهذه خمس قراءات، ومعناها كلها التعاون والتناصر. وروى أبو العالية قال : كان بنو إسرائيل إذا استضعفوا قوما أخرجوهم من ديارهم.
عليهم بالإثم : فيه قولان : أحدهما : أنه الفعل الذي يستحق عليه صاحبه الذمّ واللوم، والثاني : أنه الذي تنفر منه النفس ولا يطمئن إليه القلب. وفي حديث النّواس : الإثم ما حاك في صدرك. وقيل :
المعنى تظاهرون عليهم بما يوجب الإثم، وهذا من إطلاق السبب على مسببه، ولذلك سميت الخمر إثما، كما قال :
شربت الإثم حتى ضل عقلي وَالْعُدْوانِ : هو تجاوز الحدّ في الظلم. وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى : قراءة الجمهور بوزن فعالى، وحمزة بوزن فعلى. تُفادُوهُمْ : قرأه نافع وعاصم والكسائي من فادى، وقرأ الباقون : من فدى. قال ابن عطية : وحسن لفظ الإتيان من حيث هو في مقابلة الإخراج فيظهر التضاد المقبح لفعلهم في الإخراج، يعني : أنه لا يناسب من أسأتم إليه بالإخراج من ديارهم أن تحسنوا إليهم بالفداء، ومعنى تفادوهم : تفدوهم، إذ المفاعلة تكون من اثنين، ومن واحد. ففاعل بمعنى : فعل المجرد، وهو أحد معانيها. وقيل : معنى فادى : بادل أسيرا بأسير، ومعنى فدى : دفع الفداء، ويشهد للأوّل قول العباس : فاديت نفسي وفاديت عقيلا. ومعلوم أنه ما بادل أسيرا بأسير. وقيل : معنى تفدوهم بالصلح، وتفادوهم بالعنف.
وقيل تفادوهم : تطلبوا الفدية من الأسير الذي في أيديكم من أعدائكم، ومنه قوله :
قفي فادي أسيرك إن قومي وقومك ما أرى لهم اجتماعا
وتفدوهم : تعطوا فديتهم. وقال أبو علي معنى تفادوهم في اللغة، تطلقونهم بعد أن تأخذوا عنه شيئا. وفاديت نفسي : أي أطلقتها بعد أن دفعت شيئا. وفادى وفدى يتعدّيان إلى مفعولين، الثاني بحرف جر، وهو هنا به محذوف. وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ :
تقدّمت أربعة أشياء : قتل النفس، والإخراج من الديار، والتظاهر، والمفاداة، وهي محرّمة. واختص هذا القسم بتأكيد التحريم، وإن كانت كلها محرّمة، لما في الإخراج من الديار من معرّة الجلاء والنفي الذي لا ينقطع شره إلا بالموت، وذلك بخلاف القتل، لأن القتل، وإن كان من حيث هو هدم البنية، أعظم، لكن فيه انقطاع الشر، وبخلاف المفاداة بها، فإنها من جريرة الإخراج من الديار والتظاهر، لأنه لو لا الإخراج من الديار والتظاهر عليهم، ما وقعوا في قيد الأسر. وقد يكون أيضا مما حذف فيه من كل جملة ذكر التحريم،


الصفحة التالية
Icon