البحر المحيط، ج ١، ص : ٤٧٢
نبينا وعليه الصلاة والسلام، مع التكذيب بمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، مع أن الحجة في أمرهما سواء، فجروا مجرى سلفهم، أن يؤمنوا ببعض، ويكفروا ببعض. قالوا : ويجوز أن يراد بالكتاب هنا المكتوب عليهم من هذه الأحكام الأربعة، أي المفروض، والذي آمنوا به منها فداء الأسرى، والذي كفروا به باقي الأربعة.
فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا : الجزاء يطلق في الخير والشر. قال : وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا «١»، وقال : فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ «٢». والخزي هنا :
الفضيحة، والعقوبة، والقصاص فيمن قتل أو ضرب الجزية غابر الدهر، أو قتل قريظة وإجلاء النضير من منازلهم إلى أريحا، وأذرعات، أو غلبة العدوّ، أقوال خمسة. ولا يتأتى القول بالجزية ولا الجلاء إلا إن حملنا الآية على الذين كانوا معاصري رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، والأولى أن يكون المراد هو الذمّ العظيم والتحقير البالغ من غير تخصيص. وإلّا خزي :
استثناء مفرّغ، وهو خبر المبتدأ. ونقض النفي هنا نقض لعمل ما على خلاف في المسألة، وتفصيل وذلك : أن الخبر إذا تأخر وأدخلت عليه إلّا، فإما أن يكون هو الأوّل، أو منزلا منزلته، أو وصفا، إن كان الأول في المعنى، أو منزلا منزلته، لم يجز فيه إلا الرفع عند الجمهور. وأجاز الكوفيون النصب فيما كان الثاني فيه منزلا منزلة الأوّل، وإن كان وصفا أجاز الفراء فيه النصب، ومنعه البصريون. ونقل عن يونس : إجازة النصب في الخبر بعد إلا كائنا ما كان، وهذا مخالف لما نقله أبو جعفر النحاس، قال : لا خلاف بين النحويين في قولك : ما زيد إلا أخوك، إنه لا يجوز إلا بالرفع. قال : فإن قلت ما أنت إلا لحيتك، فالبصريون يرفعون، والمعنى عندهم : ما فيك إلا لحيتك، وكذا : ما أنت إلا عيناك. وأجاز في هذا الكوفيون النصب، ولا يجوز النصب عند البصريين في غير المصادر، إلا أن يعرف المعنى، فتضمر ناصبا نحو : ما أنت إلا لحيتك مرة وعينك أخرى، وما أنت إلا عمامتك تحسينا ورداءك تزيينا.
وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ : يوم القيامة عبارة عن زمان ممتد إلى أن يفصل بين العباد، ويدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار. ومعنى يردّون : يصيرون، فلا يلزم كينونتهم قبل ذلك في أشدّ العذاب، أو يراد بالردّ : الرجوع إلى شيء كانوا فيه، كما قال تعالى : فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ «٣»، وكأنهم كانوا في الدنيا في أشدّ العذاب أيضا،

_
(١) سورة الإنسان : ٧٦/ ١٢.
(٢) سورة النساء : ٤/ ٩٣. [.....]
(٣) سورة القصص : ٢٨/ ١٣.


الصفحة التالية
Icon