البحر المحيط، ج ١، ص : ٤٨
طريق السنة والجماعة، قاله القشيري، أو طريق الخوف والرجاء، قاله الترمذي، أو جسر جهنم، قاله عمرو بن عبيد.
وروي عن المتصوفة في قوله تعالى : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ أقوال، منها : قول بعضهم : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ بالغيبوبة عن الصراط لئلا يكون مربوطا بالصراط، وقول الجنيد أن سؤال الهداية عند الحيرة من أشهار الصفات الأزلية، فسألوا الهداية إلى أوصاف العبودية لئلا يستغرقوا في الصفات الأزلية. وهذه الأقوال ينبو عنها اللفظ، ولهم فيما يذكرون ذوق وإدراك لم نصل نحن إليه بعد. وقد شحنت التفاسير بأقوالهم، ونحن نلم بشيء منها لئلا يظن أنا إنما تركنا ذكرها لكوننا لم نطلع عليها. وقد رد الفخر الرازي على من قال إن الصراط المستقيم هو القرآن أو الإسلام وشرائعه، قال : لأن المراد صراط الذين أنعمت عليهم من المتقدمين ولم يكن لهم القرآن ولا الإسلام، يعني بالإسلام هذه الملة الإسلامية المختصة بتكاليف لم تكن تقدمتها. وهذه الرد لا يتأتى له إلا إذا صح أن الذين أنعم اللّه عليهم هم متقدمون، وستأتي الأقاويل في تفسير الذين أنعم اللّه عليهم، واتصال نا باهد مناسب لنعبد ونستعين لأنه لما أخبر المتكلم أنه هو ومن معه يعبدون اللّه ويستعينونه سأل له ولهم الهداية إلى الطريق الواضح، لأنهم بالهداية إليه تصح منهم العبادة. ألا ترى أن من لم يهتد إلى السبيل الموصلة لمقصوده لا يصح له بلوغ مقصوده؟ وقرأ الحسن، والضحاك : صراطا مستقيما دون تعريف. وقرأ جعفر الصادق : صراط مستقيم بالإضافة،
أي الدين المستقيم. فعلى قراءة الحسن والضحاك يكون صراط الذين بدل معرفة من نكرة، كقوله تعالى : وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ، صِراطِ اللَّهِ، وعلى قراءة الصادق وقراءات الجمهور تكون بدل معرفة من معرفة صراط الذين بدل شيء من شيء، وهما بعين واحدة، وجيء بها للبيان لأنه لما ذكر قبل اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ كان فيه بعض إبهام، فعينه بقوله : صِراطَ الَّذِينَ ليكون المسئول الهداية إليه، قد جرى ذكره مرتين، وصار بذلك البدل فيه حوالة على طريق من أنعم اللّه عليهم، فيكون ذلك أثبت وأوكد، وهذه هي فائدة نحو هذا البدل، ولأنه على تكرار العامل، فيصير في التقدير جملتين، ولا يخفى ما في الجملتين من التأكيد، فكأنهم كرروا طلب الهداية.
ومن غريب القول أن الصراط الثاني ليس الأول، بل هو غيره، وكأنه قرىء فيه حرف العطف، وفي تعيين ذلك اختلاف.
قيل هو العلم باللّه والفهم عنه، قاله جعفر بن محمد
، وقيل التزام الفرائض واتباع السنن، وقيل هو موافقة الباطن للظاهر في إسباغ النعمة. قال


الصفحة التالية
Icon