البحر المحيط، ج ١، ص : ٤٩٠
جعل ما قبله من قوله : بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ غير تام، وفيه الأعاريب التي في المخصوص بالذم، إذا تأخر، أهو مبتدأ، والجملة التي قبله خبر مبتدأ محذوف على ما تقرر قبل؟ وأجاز الفراء على هذا التقدير أن يكون بدلا من الضمير في به، فيكون في موضع خبر. بِما أَنْزَلَ اللَّهُ : هو الكتاب الذي تقدّم ذكره، وهو القرآن. وفي ذلك من التفخيم إن لم يحصل مضمر، بل أظهر موصولا بالفعل الذي هو أنزل المشعر بأنه من العالم العلوي، ونسب إسناده إلى اللّه، ليحصل التوافق من حيث المعنى بين قوله : كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وبين قوله : بِما أَنْزَلَ اللَّهُ. ويحتمل أن يراد به التوراة والإنجيل، إذ كفروا بعيسى وبمحمد صلوات اللّه وسلامه عليهما، والكفر بهما كفر بالتوراة. ويحتمل أن يراد الجميع من قرآن وإنجيل وتوراة، لأن الكفر ببعضها كفر بكلها. بَغْياً : أي حسدا، إذ لم يكن من بني إسرائيل، قاله قتادة وأبو العالية والسدّي. وقيل : معناه ظلما، وانتصابه على أنه مفعول من أجله وظاهره أن العامل فيه يكفروا، أي كفرهم لأجل البغي. وقال الزمخشري : هو علة اشتروا، فعلى قوله يكون العامل فيه اشتروا. وقيل : هو نصب على المصدر لا مفعول من أجله، والتقدير : بغوا بغيا، وحذف الفعل لدلالة الكلام عليه.
أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ : أن : مع الفعل بتأويل المصدر، وذلك المصدر المقدر منصوب على أنه مفعول من أجله، أي بغوا لتنزيل اللّه. وقيل : التقدير بغيا على أن ينزّل اللّه لأن معناه حسدا على أن ينزّل اللّه، أي على ما خص اللّه به نبيه من الوحي، فحذفت على، ويجيء الخلاف الذي في أنّ وأن، إذا حذف حرف الجر منهما، أهما في موضع نصب أم في موضع خفض؟ وقيل : أن ينزّل في موضع جر على أنه بدل اشتمال من ما في قوله : بما أنزل اللّه، أي بتنزيل اللّه، فيكون مثل قول الشاعر :
أمن ذكر سلمى أن نأتك تنوص وقرأ أبو عمرو وابن كثير : جميع المضارع مخففا من أنزل، إلا ما وقع الإجماع على تشديده، وهو في الحجر، وَما نُنَزِّلُهُ «١»، إلا أن أبا عمرو شدد على أن ننزل آية في الأنعام، وابن كثير شدد وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ «٢»، وحَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً «٣»، وشدد الباقون المضارع حيث وقع إلا حمزة والكسائي فخففا، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ «٤»، في آخر لقمان، وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ «٥»، في الشورى. والهمزة
(١) سورة الحجر : ١٥/ ٢١.
(٢) سورة الإسراء : ١٧/ ٨٢.
(٣) سورة الإسراء : ١٧/ ٩٣.
(٤) سورة لقمان : ٣١/ ٣٤.
(٥) سورة الشورى : ٤٢/ ٢٨.