البحر المحيط، ج ١، ص : ٥١٧
لا أرى الموت يسبق الموت شيا وهذه الجملة الواقعة خبرا للشرط، تحتاج إلى رابط لجملة الجزاء باسم الشرط.
والرابط هنا الاسم الظاهر وهو : الكافرين، أوقع الظاهر موقع الضمير لتواخي أواخر الآي، ولينص على علة العداوة، وهي الكفر، إذ من عادى من تقدّم ذكره، أو واحدا منهم، فهو كافر. أو يراد بالكافرين العموم، فيكون الرابط العموم، إذ الكفر يكون بأنواع، وهؤلاء الكفار بهذا الشيء الخاص فرد من أفراد العموم، فيحصل الربط بذلك. وقال الزمخشري :
عدوّ للكافرين، أراد عدوّ لهم، فجاء بالظاهر ليدل على أن اللّه عاداهم لكفرهم، وأن عداوة الملائكة كفر. وإذا كانت عداوة الأنبياء كفرا، فما بال الملائكة؟ وهم أشرف. والمعنى :
من عاداهم عاداه اللّه وعاقبه أشدّ العقاب. انتهى كلامه. وهذا مذهب المعتزلة يذهبون إلى أن الملائكة أفضل من خواص بني آدم. ودل كلام الزمخشري على أن الظاهر وقع موقع الضمير، وأنه لم يلحظ فيه العموم، وقال ابن عطية : وجاءت العبارة بعموم الكافرين، لأن عود الضمير على من يشكل، سواء أفردته أو جمعته، ولو لم يبال بالإشكال. وقلنا : المعنى يدل السامع على المقصد للزم تعيين قوم بعداوة اللّه لهم. ويحتمل أن اللّه قد علم أن بعضهم يؤمن، فلا ينبغي أن يطلق عليه عداوة اللّه للمآل. وروي أن عمر نطق بهذه الآية مجاوبا لبعض اليهود في قوله : ذلك عدوّنا، يعني جبريل، فنزلت على لسان عمر. قال ابن عطية : وهذا الخبر ضعيف.
وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ : سبب نزولها، فيما
ذكر الطبراني، أن ابن صوريا قال للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم : ما جئت بآية بينة، فنزلت.
وقال الزمخشري : قال ما جئتنا بشيء نعرفه، وما أنزل عليك من آية فنتبعك لها، فنزلت انتهى. ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة، لأنه لما ذكر تعالى جملا من قبائح اليهود وذمهم على ذلك، وكان فيما ذكر من ذلك معاداتهم لجبريل، فناسب ذلك إنكارهم لما نزل به جبريل، فأخبر اللّه تعالى بأن الرسول عليه السلام أنزل عليه آيات بينات، وأنه لا يجحد نزولها إلا كل فاسق، وذلك لوضوحها. والآيات البينات، أي القرآن، أو المعجزات المقرونة بالتحدّي، أو الإخبار عما خفي وأخفي في الكتب السالفة، أو الشرائع، أو الفرائض، أو مجموع كل ما تقدّم، أقوال خمسة. والظاهر مطلق ما يدل عليه آيات بينات غير معين شيء منها، وعبر عن وصولها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالإنزال، لأن ذلك كان من علوّ إلى ما دونه.
وَما يَكْفُرُ بِها إِلَّا الْفاسِقُونَ : المراد بالفاسقين هنا : الكافرون، لأن كفر آيات اللّه


الصفحة التالية
Icon