البحر المحيط، ج ١، ص : ٥٣٣
في بضارين. وقرأ الأعمش : بحذفها، وخرّج ذلك على وجهين : أحدهما : أنها حذفت تخفيفا، وإن كان اسم الفاعل في صلة الألف واللام. والثاني : أن حذفها لأجل الإضافة إلى أحد، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور الذي هو به، كما قال :
هما أخوا في الحرب من لا أخا له وكما قال :
كما حط الكتاب بكف يوما يهودي وهذا اختيار الزمخشري، ثم استشكل ذلك، لأن أحدا مجرور بمن، فكيف يمكن أن يعتقد فيه أنه مجرور بالإضافة؟ فقال : فإن قلت : كيف يضاف إلى أحد، وهو مجرور بمن؟ قلت : جعل الجار جزأ من المجرور. انتهى. وهذا التخريج ليس بجيد، لأن الفصل بين المضاف والمضاف إليه بالظرف، والجار والمجرور من ضرائر الشعر، وأقبح من ذلك أن لا يكون ثم مضاف إليه، لأنه مشغول بعامل جر، فهو المؤثر فيه لا الإضافة. وأما جعل حرف الجر جزأ من المجرور، فهذا ليس بشيء، لأنه مؤثر فيه. وجزء الشيء لا يؤثر في الشيء، والأجود التخريج الأول، لأن له نظيرا في نظم العرب ونثرها. فمن النثر قول العرب، قطا قطا بيضك ثنتا وبيضي مائتا، يريدون : ثنتان ومائتان.
مِنْ أَحَدٍ، من زائدة، وأحد : مفعول بضارين. ومن تزاد في المفعول، إلا أن المعهود زيادتها في المفعول الذي يكون معمولا للفاعل الذي يباشره حرف النفي نحو : ما ضربت من رجل، وما ضرب زيد من رجل. وهنا حملت الجملة من غير الفعل والفاعل على الجملة من الفعل والفاعل، لأن المعنى : وما يضرون من أحد. إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ : مستثنى مفرغ من الأحوال، فيحتمل أن يكون حالا من الضمير الفاعل في قوله : بِضارِّينَ، ويحتمل أن يكون حالا من المفعول الذي هو : مِنْ أَحَدٍ، ويحتمل أن يكون حالا من به، أي السحر المفرق به، ويحتمل أن يكون حالا من الضرر المصدر المعرب المحذوف.
والإذن هنا فسر الوجوه التي ذكرناها عند الكلام على المفردات. فقال الحسن : الإذن هنا :
هو التخلية بين المسحور وضرر السحر. وقال الأصم : العلم. وقال غيره : الخلق، ويضاف إلى إذنه قوله : كُنْ فَيَكُونُ «١». وقيل : الأمر، قيل : والإذن حقيقة فيه، واستبعد ذلك، لأن اللّه لا يأمر بالسحر، ولأنه ذمّهم على ذلك. وأوّل معنى الأمر فيه بأن يفسر التفريق

_
(١) سورة البقرة : ٢/ ١١٧.


الصفحة التالية
Icon