البحر المحيط، ج ١، ص : ٥٥٦
هاتين القراءتين على هذه اللغة أولى من التخريج على أن أصل الألف الهمز، فأبدلت الهمزة ألفا، فصار مثل : قال وباع، فقيل فيه : سيل بالكسر المحض، أو الإشمام، لأن هذا الإبدال شاذ ولا ينقاس. وتلك لغة ثانية، فكان الحمل على ما كان لغة أولى من الحمل على الشاذ غير المطرد. وحذف الفاعل هنا للعلم به، التقدير : كما سأل قوم موسى موسى من قبل.
مُوسى مِنْ قَبْلُ : يتعلق هذا الجار بقوله : سئل، وقبل مقطوعة عن الإضافة لفظا، وذلك أن المضاف إليه معرفة محذوف. فلذلك بنيت قبل على الضم، والتقدير : من قبل سؤالكم، وهذا توكيد، لأنه قد علم أن سؤال بني إسرائيل موسى، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، متقدّم على سؤال هؤلاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وسؤال قوم موسى عليه السلام هو قولهم : أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً «١»، اجْعَلْ لَنا إِلهاً «٢». فأراد تعالى أن يوبخهم على تعلق إرادتهم بسؤال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وأن يقترحوا عليه، إذ هم يكفيهم ما أنزل إليهم. وشبه سؤالهم بسؤال ما اقترحه آباء اليهود من الأشياء التي مصيرها إلى الوبال. وظاهر الآية يدل على أن السؤال لم يقع منهم. ألا ترى أنه قال : أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْئَلُوا؟ فوبخهم على تعلق إرادتهم بالسؤال، إذ لو كان السؤال قد وقع، لكان التوبيخ عليه، لا على إرادته، وكان يكون اللفظ : أتسألون رسولكم؟ أو ما أشبه ذلك مما يؤدّي معنى وقوع السؤال، لكن تظافرت نقولهم في سبب نزول هذه الآية، وإن اختلفوا في التعيين على أن السؤال قد وقع.
وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ؟ تقدّم الكلام في التبديل، أي : من يأخذ الكفر بدل الإيمان؟ وهذه كناية عن الإعراض عن الإيمان والإقبال على الكفر، كما جاء في قوله :
اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى «٣». وفسر الزمخشري هذا بأن قال : ومن ترك الثقة بالآيات المنزلة وشك فيها واقترح غيرها. وقال أبو العالية : الكفر هنا : الشدة، والإيمان : الرخاء.
وهذا فيه ضعف، إلا أن يريد أنهما مستعاران في الشدة على نفسه والرخاء لها عن العذاب والنعيم. وأما المعروف من شدة أمور الدنيا ورخائها، فلا تفسر الآية بذلك، والظاهر حمل الكفر والإيمان على؟؟؟ هما الشرعية، لأن من سأل الرسول ما سأل مع ظهور المعجزات ووضوح الدلائل على صدقه، كان سؤاله تعنتا وإنكارا، وذلك كفر.
فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ : هذا جواب الشرط، وقد تقدم الكلام على الضلال في
(١) سورة النساء : ٤/ ١٥٣.
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ١٣٨. [.....]
(٣) سورة البقرة : ٢/ ١٦.