البحر المحيط، ج ١، ص : ٥٩٠
أصحاب الجحيم الذين هم أصحابها، لا يطمع في إسلامهم. والظاهر أن قوله تعالى :
وَلَنْ تَرْضى خطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم، علق رضاهم عنه بأمر مستحيل الوقوع منه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو اتباع ملتهم. والمعلق بالمستحيل مستحيل، سواء فسرنا الملة بالشريعة، أو فسرناها بالقبلة، أو فسرناها بالقرآن. وقيل : هو خطاب له، وهو تأديب لأمته، فإنهم يعلمون قدره عند ربه، وإنما ذلك ليتأدب به المؤمنون، فلا يوالون الكافرين، فإنهم لا يرضيهم منهم إلا اتباع دينهم. وقيل : هو خطاب له، والمراد أمته، لأن المخاطب لا يمكن ما خوطب به أن يقع منه، فيصرف ذلك إلى من يمكن ذلك منه، مثل قوله : لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ «١»، ويكون تنبيها من اللّه على أن اليهود والنصارى يخادعونكم بما يظهرون من الميل وطلب المهادنة والوعد بالموافقة، ولا يقع رضاهم إلا باتباع ملتهم. ووحدت الملة، وإن كان لهم ملتان، لأنهما يجمعهما الكفر، فهي واحدة بهذا الاعتبار، أو للإيجاز فيكون من باب الجمع في الضمير، نظير : وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى «٢»، لأن المعلوم أن النصارى لن ترضى حتى تتبع ملتهم، واليهود لن ترضى حتى تتبع ملتهم. وقد اختلف العلماء في الكفر، أهو ملة واحدة أو ملل؟ وثمرة الخلاف تظهر في الارتداد من ملة إلى ملة، وفي الميراث، وذلك مذكور في الفقه.
قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدى : أمره أن يخاطبهم بأن هدى اللّه، أي الذي هو مضاف إلى اللّه، وهو الإسلام الذي أنت عليه، هو الهدى، أي النافع التام الذي لا هدى وراءه، وما أمرتم باتباعه هو هوى لا هدى، وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ «٣». وأكد الجملة بأن وبالفصل الذي قبل، فدل على الاختصاص والحصر، وجاء الهدى معرّفا بالألف واللام، وهو مما قيل : إن ذلك يدل على الحصر، فإذا قلت : زيد العالم، فكأنه قيل : هو المخصوص بالعلم والمحصور فيه ذلك. ثم ذكر تعالى أن ما هم عليه إنما هي أهواء وضلالات ناشئة عن شهواتهم وميولهم، فقال : وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ : وهو خطاب للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم على الأقوال التي في قوله : وَلَنْ تَرْضى. واللام في لئن تسمى الموطئة والمؤذنة، وهي تشعر بقسم مقدر قبلها، ولذلك يبنى ما بعد الشرط على القسم
(١) سورة الزمر (٣٩)، آية رقم : ٦٥.
(٢) سورة البقرة (٢) آية رقم : ١٣٥.
(٣) سورة القصص (٢٨)، آية رقم : ٥٠.