البحر المحيط، ج ١، ص : ٦٤٢
فلما تبين أصواتنا بكين وفدّيننا بالأبينا
وعلى هذا الوجه يكون إعراب إبراهيم مثل إعرابه حين كان جمع تكسير. وفي إجابتهم له بإظهار الفعل تأكيد لما أجابوه به، إذ كان يجوز أن يقال : قالوا إلهك، فتصريحهم بالفعل تأكيد في الجواب أنه مطابق للسؤال، أعني في العامل الملفوظ به في السؤال. وإضافة الإله إلى يعقوب فيه دليل على اتحاد معبود السائل والمجيب لفظا. وفي قوله : وإله آبائك دليل على اتحاد المعبود أيضا من حيث اللفظ، وإنما كرر لفظ وإله، لأنه لا يصح العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة جارّه، إلا في الشعر، أو على مذهب من يرى ذلك، وهو عنده قليل. فلو كان المعطوف عليه ظاهرا، لكان حذف الجار، إذا كان اسما، أولى من إثباته، لما يوهم إثباته من المغايرة. فإن حذفه يدل على الاتحاد. وبدأ أولا بإضافة الإله إلى يعقوب، لأنه هو السائل، وقدم إبراهيم، لأنه الأصل، وقدم إسماعيل على إسحاق، لأنه أسنّ أو أفضل، لكون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من ذريته، وهو في عمود نسبه. واقتصر على هؤلاء، لأنهم كانوا خير الناس في أزمانهم، ولم يعم، لأن الناس كان لهم معبودون كثيرون دون اللّه.
إِلهاً واحِداً : يجوز أن يكون بدلا، وهو بدل نكرة موصوفة من معرفة، ويجوز أن يكون حالا، ويكون حالا موطئة نحو : رأيتك رجلا صالحا. فالمقصود إنما هو الوصف، وجيء باسم الذات توطئة للوصف. وجوّز الزمخشري أن ينتصب على الاختصاص، أي يريد بإلهك إلها واحدا. وقد نص النحويون على أن المنصوب على الاختصاص لا يكون نكرة ولا مبهما. وفائدة هذه الحال، أو البدل، هو التنصيص على أن معبودهم واحد فرد، إذ قد توهم إضافة الشيء إلى كثيرين تعداد ذلك المضاف، فنهض بهذه الحال أو البدل على نفي ذلك الإيهام. وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ : أي منقادون لما ذكر الجواب بالفعل الذي هو نعبد، لأن العبادة متجددة دائما. ذكر هذه الجملة الاسمية المخبر عن المبتدأ فيها باسم الفاعل الدال على الثبوت، لأن الانقياد لا ينفكون عنه دائما، وعنه تكون العبادة، فيكون قوله : وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ أحد جملتي الجواب. فأجابوه بشيئين : أحدهما : الذي سأل عنه، والثاني : مؤكد لما أجابوا به، فيكون من باب الجواب المربي على السؤال. وأجاز بعضهم أن تكون الجملة حالية من الضمير في نعبد، والأول أبلغ، وهو أن تكون الجملة معطوفة على قوله : نَعْبُدُ، فيكون أحد شقي الجواب. وأجاز الزمخشري أن تكون جملة اعتراضية مؤكدة، أي : ومن حالنا أنا نحن له مسلمون مخلصون التوحيد أو مذعنون.