البحر المحيط، ج ١، ص : ٦٩
القرآن والسنة، ولتشابه أوائل هذه السورة بأول سورة النمل وأول سورة لقمان، ولأن الصلاة طهرة للبدن، والزكاة طهرة للمال والبدن، ولأن الصلاة شكر لنعمة البدن، والزكاة شكر لنعمة المال، ولأن أعظم ما للّه على الأبدان من الحقوق الصلاة، وفي الأموال الزكاة، والأحسن أن تكون هذه الأقوال تمثيلا للمتفق لا خلافا فيه. وكثيرا ما نسب اللّه الرزق لنفسه حين أمر بالإنفاق، أو أخبر به، ولم ينسب ذلك إلى كسب العبد ليعلم أن الذي يخرجه العبد ويعطيه هو بعض ما أخرجه اللّه له ونحله إياه، وجعل صلات الذين أفعالا مضارعة، ولم يجعل الموصول أل فيصله باسم الفاعل لأن المضارع فيما ذكر البيانيون مشعر بالتجدد والحدوث بخلاف اسم الفاعل، لأنه عندهم مشعر بالثبوت والأمدح في صفة المتقين تجدد الأوصاف، وقدم المنفق منه على الفعل اعتناء بما خول اللّه به العبد وإشعارا أن المخرج هو بعض ما أعطى العبد، ولتناسب الفواصل وحذف الضمير العائد على الموصول لدلالة المعنى عليه، أي ومما رزقناهموه، واجتمعت فيه شروط جواز الحذف من كونه متعينا للربط معمولا لفعل متصرف تام. وأبعد من جعل ما نكرة موصوفة وقدر، ومن شيء رزقناهمو لضعف المعنى بعد عموم المرزوق الذي ينفق منه فلا يكون فيه ذلك التمدح الذي يحصل يجعل ما موصولة لعمومها، ولأن حذف العائد على الموصول أو جعل ما مصدرية، فلا يكون في رزقناهم ضمير محذوف بل ما مع الفعل بتأويل المصدر، فيضطر إلى جعل ذلك المصدر المقدر بمعنى المفعول، لأن نفس المصدر لا ينفق منه إنما ينفق من المرزوق، وترتيب الصلاة على حسب الإلزام. فالإيمان بالغيب لازم للمكلف دائما، والصلاة لازمة في أكثر الأوقات، والنفقة لازمة في بعض الأوقات، وهذا من باب تقديم الأهم فالأهم.
الإنزال : الإيصال والإبلاغ، ولا يشترط أن يكون من أعلا، فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ أي وصل وحل، إلى حرف جر معناه انتهاء الغاية وزيد كونها للمصاحبة وللتبيين ولموافقة اللام وفي ومن، وأجاز الفراء زيادتها، مثل ذلك : سرت إلى الكوفة، وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ، السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ، وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ، كأنني إلى الناس مطلبي، أي في الناس.
أيسقي فلا يروي إلى ابن أحمرا، أي متى تهوي إليهم في قراءة من قرأ بفتح الواو، أي تهواهم، وحكمها في ثبوت الفاء، وقلبها حكم على، وقد تقدم. والكاف المتصلة بها ضمير المخاطب المذكر، وتكسر للمؤنث، ويلحقها ما يلحق أنت في التثنية والجمع دلالة عليهما، وربما فتحت للمؤنث، أو اقتصر عليها مكسورة في جمعها نحو :
ولست بسائل جارات بيتي أغياب رجالك أم شهود


الصفحة التالية
Icon