البحر المحيط، ج ١، ص : ٩٧
واللعن والنقص، كقوله تعالى : قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ «١»، ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ «٢»، وكقوله : لعن اللّه إبليس وأخزاه، ومعلوم أن ذلك قد وقع، وأنه قد باء بخزي ولعن لا مزيد عليه لأنه لا انتهاء له، وتنكير مرض من قوله : فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ لا يدل على أن جميع أجناس المرض في قلوبهم، كما زعم بعض المفسرين، لأن دلالة النكرة على ما وضعت له إنما هي دلالة على طريقة البدل، لأنها دلالة تنتظم كل فرد فرد على جهة العموم، ولم يحتج إلى جمع مرض لأن تعداد المحال يدل على تعداد الحال عقلا، فاكتفى بالمفرد عن الجمع، وتعدية الزيادة إليهم لا إلى القلوب، إذ قال تعالى : فَزادَهُمُ، ولم يقل : فزادها، يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون على حذف مضاف، أي فزاد اللّه قلوبهم مرضا، والثاني : أنه زاد ذواتهم مرضا لأن مرض القلب مرض لسائر الجسد، فصح نسبة الزيادة إلى الذوات، ويكون ذلك تنبيها على أن في ذواتهم مرضا، وإنما أضاف ذلك إلى قلوبهم لأنها محل الإدراك والعقل. وأمال حمزة فزادهم في عشرة أفعال ألفها منقلبة عن ياء إلا فعلا واحدا ألفه منقلبة عن واو ووزنه فعل بفتح العين، إلا ذلك الفعل فإن وزنه فعل بكسر العين، وقد جمعتها في بيتين في قصيدتي المسماة، بعقد اللآلي في القراءات السبع العوالي، وهما :
وعشرة أفعال تمال لحمزة فجاء وشاء ضاق ران وكملا
بزاد وخاب طاب خاف معا وحاق زاغ سوى الأحزاب مع صادها فلا
يعني أنّه قد استثنى حمزة، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ «٣»، في سورة الأحزاب، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ «٤»، في سورة ص، فلم يملها. ووافق ابن ذكوان حمزة على إمالة جاء وشاء في جميع القرآن، وعلى زاد في أول البقرة، وعنه خلاف في زاد هذه في سائر القرآن، وبالوجهين قرأته له، والإمالة لتميم، والتفخيم للحجاز. وأليم : تقدم تفسيره. فإذا قلنا إنه للمبالغة فيكون محوّلا من فعل لها ونسبته إلى العذاب مجاز، لأن العذاب لا يألم، إنما يألم صاحبه، فصار نظير قولهم : شعر شاعر، والشعر لا يشعر إنما الشاعر ناظمه. وإذا قلنا إنه بمعنى : مؤلم، كما قال عمرو بن معدي كرب :
(١) سورة المنافقون : ٦٣/ ٤.
(٢) سورة التوبة : ٩/ ١٢٧.
(٣) سورة الأحزاب : ٣٣/ ١٠.
(٤) سورة ص : ٣٨/ ٦٣.