البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٠٣
الخلاف، وأن ليست زائدة، بل مصدرية. وقال الأخفش : في قوله : وَما لَنا أَلَّا نُقاتِلَ «١»، إنها زائدة عاملة تقديره عنده : وما لنا لا نقاتل، فلذلك على مذهبه في تلك هنا تكون أن، وتقديره : وما لكم لا تنفقون، وقد رد مذهبه في كتب النحو.
لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ، قيل : نزلت في أبي بكر رضي اللّه تعالى عنه، إذ كان أول من أسلم وهاجر وأنفق رضي اللّه تعالى عنه، وكذا من تابعه في السبق في ذلك، ولذلك قال : أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً. وقيل : نزلت بسبب أن ناسا من الصحابة أنفقوا نفقات جليلة حتى قيل : إن هؤلاء أعظم أجرا من كل من أنفق. وهذه الجملة تضمنت تباين ما بين المنفقين. وقرأ الجمهور : مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وزيد بن علي، قيل : بغير من. والفتح : فتح مكة، وهو المشهور، وقول قتادة وزيد بن أسلم ومجاهد.
وقال أبو سعيد الخدري والشعبي : هو فتح الحديبة، وقد تقدم في أول سورة الفتح كونه فتحا، ورفعه أبو سعيد إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم : إن أفضل ما بين الهجرتين فتح الحديبية.
والظاهر أن مَنْ فاعل لا يَسْتَوِي، وحذف مقابله، وهو من أنفق من بعد الفتح وقاتل، لوضوح المعنى.
أُولئِكَ : أي الذين أنفقوا قبل الفتح وقبل انتشار الإسلام وفشوّه واستيلاء المسلمين على أم القرى، وهم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار الذين جاء في حقهم
قوله صلى اللّه عليه وسلم :«لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه».
وأبعد من ذهب إلى الفاعل بلا يستوي ضمير يعود على الإنفاق، أي لا يستوي، هو الإنفاق، أي جنسه، إذ منه ما هو قبل الفتح وبعده ومن أنفق مبتدأ، وأولئك مبتدأ خبره ما بعده، والجملة في موضع خبر من، وهذا فيه تفكيك للكلام، وخروج عن الظاهر لغير موجب. وحذف المعطوف لدلالة المقابل كثيرة، فأنفق لا سيما المعطوف الذي يقتضيه وضع الفعل، وهو يستوي. وقرأ الجمهور : وَكُلًّا بالنصب، وهو المفعول الأول لوعد. وقرأ ابن عامر وعبد الوارث من طريق المادر أي : وكل بالرفع والظاهر أنه مبتدأ، والجملة بعده في موضع الخبر، وقد أجاز ذلك الفراء وهشام، وورد في السبعة، فوجب قبوله وإن كان غيرهما من النحاة قد خص حذف الضمير الذي حذف من مثل وعد بالضرورة. وقال الشاعر :
وخالد تحمد ساداتنا بالحق لا تحمد بالباطل

(١) سورة البقرة : ٢/ ٢٤٦.


الصفحة التالية
Icon