البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٠٨
مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ.
عن عبد اللّه : ملت الصحابة ملة، فنزلت أَلَمْ يَأْنِ. وعن ابن عباس : عوتبوا بعد ثلاث عشرة سنة. وقيل : كثر المزاح في بعض شباب الصحابة فنزلت. وقرأ الجمهور :
أَلَمْ والحسن وأبو السمال : ألما. والجمهور : يَأْنِ مضارع أنى حان والحسن :
يئن مضارع أن حان أيضا، والمعنى : قرب وقت الشيء. أَنْ تَخْشَعَ : تطمئن وتخبت، وهو من عمل القلب، ويظهر في الجوارح. وفي الحديث :«أول ما يرفع من الناس الخشوع».
لِذِكْرِ اللَّهِ : أي لأجل ذكر اللّه، كقوله : إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ «١».
قيل : أو لتذكير اللّه إياهم. وقرأ الجمهور : وما نزل مشددا ونافع وحفص : مخففا والجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمرو في رواية يونس، وعباس عنه : مبنيا للمفعول مشددا وعبد اللّه : أنزل بهمزة النقل مبنيا للفاعل. والجمهور : وَلا يَكُونُوا بياء الغيبة، عطفا على أَنْ تَخْشَعَ وأبو حيوة وابن أبي عبلة وإسماعيل عن أبي جعفر، وعن شيبة، ويعقوب وحمزة في رواية عن سليم عنه : ولا تكونوا على سبيل الالتفات، إما نهيا، وإما عطفا على أَنْ تَخْشَعَ. كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ، وهم معاصر وموسى عليه السلام من بني إسرائيل. حذر المؤمنون أن يكونوا مثلهم في قساوة القلوب، إذ كانوا إذا سمعوا التوراة رقوا وخشعوا، فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ : أي انتظار الفتح، أو انتظار القيامة.
وقيل : أمد الحياة. وقرأ الجمهور : الأمد مخفف الدال، وهي الغاية من الزمان وابن كثير :
بشدها، وهو الزمان بعينه الأطول. فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ : صلبت بحيث لا تنفعل للخير والطاعة.
يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها : يظهر أنه تمثيل لتليين القلوب بعد قسوتها، ولتأثير ذكر اللّه فيها. كما يؤثر الغيث في الأرض فتعود بعد إجدابها مخصبة، كذلك تعود القلوب النافرة مقبلة، يظهر فيها أثر الطاعات والخشوع. وقرأ الجمهور : الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ، بشدّ صاديهما وابن كثير وأبو بكر والمفضل وأبان وأبو عمرو في رواية هارون : بخفهما وأبيّ : بتاء قبل الصاد فيهما، فهذه وقراءة الجمهور من الصدقة، والخف من التصديق، صدّقوا رسوله اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فيما بلغ عن اللّه تعالى. قال الزمخشري : فإن قلت : علام عطف