البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٢١
اللهم إن لي منه صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا. فهذا هو اشتكاؤها إلى اللّه، فنزل الوحي عند جدالها.
قالت عائشة رضي اللّه تعالى عنها : سبحان من وسع سمعه الأصوات. كان بعض كلام خولة يخفى عليّ، وسمع اللّه جدالها، فبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أوس وعرض عليه كفارة الظهار :«العتق»، فقال : ما أملك، و«الصوم»، فقال : ما أقدر، و«الإطعام»، فقال :
لا أجد إلا أن تعينني، فأعانه صلّى اللّه عليه وسلّم بخمسة عشر صاعا ودعا له، فكفر بالإطعام وأمسك أهله.
وكان عمر، رضي اللّه تعالى عنه، يكرم خولة إذا دخلت عليه ويقول : قد سمع اللّه لها.
وقال الزمخشري : معنى قد : التوقع، لأنه صلّى اللّه عليه وسلّم والمجادلة كانا متوقعين أن يسمع اللّه مجادلتها وشكواها، وينزل في ذلك ما يفرح عنها. انتهى.
وقرأ الحرميان وأبو عمرو : يظهرون بشدّهما والإخوان وابن عامر : يظاهرون مضارع ظاهر وأبيّ : يتظاهرون، مضارع تظاهر وعنه : يتظهرون، مضارع تظهر والمراد به كله الظهار، وهو قول الرجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي، يريد في التحريم، كأنه إشارة إلى الركوب، إذ عرفه في ظهور الحيوان. والمعنى أنه لا يعلوها كما لا يعلو أمّه، ولذلك تقول العرب في مقابلة ذلك : نزلت عن امرأتي، أي طلقتها. وقوله : مِنْكُمْ، إشارة إلى توبيخ العرب وتهجين عادتهم في الظهار، لأنه كان من إيمان أهل جاهليتهم خاصة دون سائر الأمم.
وقرأ الجمهور : أُمَّهاتِهِمْ، بالنصب على لغة الحجاز والمفضل عن عاصم :
بالرفع على لغة تميم وابن مسعود : بأمهاتهم، بزيادة الباء. قال الزمخشري : في لغة من ينصب. انتهى. يعني أنه لا تزاد الباء في لغة تميم، وهذا ليس بشيء، وقد رد ذلك على الزمخشري. وزيادة الباء في مثل : ما زيد بقائم، كثير في لغة تميم، والزمخشري تبع في ذلك أبا عليّ الفارسي رحمه اللّه. ولما كان معنى كظهر أمي : كأمي في التحريم، ولا يراد خصوصية الظهر الذي هو من الجسد، جاء النفي بقوله : ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ، ثم أكد ذلك بقوله : إِنْ أُمَّهاتُهُمْ : أي حقيقة، إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وألحق بهنّ في التحريم أمّهات الرضاع وأمّهات المؤمنين أزواج الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، والزوجات لسن بأمّهات حقيقة ولا ملحقات بهنّ. فقول المظاهر منكر من القول تنكره الحقيقة وينكره الشرع، وزور : كذب باطل منحرف عن الحق، وهو محرم تحريم المكروهات جدّا، فإذا وقع لزم، وقد رجى تعالى