البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٢٣
وقال الأخفش : فيه تقديم وتأخير، والتقدير : فتحرير رقبة لما قالوا، وهذا قول ليس بشيء لأنه يفسد نظم الآية.
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، والظاهر أنه يجزىء مطلق رقبة، فتجزئ الكافرة. وقال مالك والشافعي : شرطها الإسلام، كالرقبة في كفارة القتل. والظاهر إجزاء المكاتب، لأنه عبد ما بقي عليه درهم، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه : وإن عتق نصفي عبدين لا يجزىء. وقال الشافعي : يجزىء. مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا : لا يجوز للمظاهر أن يطأ حتى يكفر، فإن فعل عصى، ولا يسقط عنه التكفير. وقال مجاهد : يلزمه كفارة أخرى. وقيل : تسقط الكفارة الواجبة عليه، ولا يلزمه شيء. وحديث أوس بن الصامت يرد على هذا القول، وسواء كانت الكفارة بالعتق أم الصوم أم الإطعام. وقال أبو حنيفة : إذا كانت بالإطعام، جاز له أن يطأ ثم يطعم، وهو ظاهر قوله : فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً، إذ لم يقل فيه :
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، وقيد ذلك في العتق والصوم. والظاهر في التماس الحقيقة، فلا يجوز تماسهما قبلة أو مضاجعة أو غير ذلك من وجوه الاستمتاع، وهو قول مالك وأحد قولي الشافعي. وقال الأكثرون : هو الوطء، فيجوز له الاستمتاع بغيره قبل التكفير، وقاله الحسن والثوري، وهو الصحيح من مذهب الشافعي. والضمير في يَتَمَاسَّا عائد على ما عاد عليه الكلام من المظاهر والمظاهر منها. ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ : إشارة إلى التحرير، أي فعل عظة لكم لتنتهوا عن الظهار.
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ : أي الرقبة ولا ثمنها، أو وجدها، أو ثمنها، وكان محتاجا إلى ذلك، فقال أبو حنيفة : يلزمه العتق ولو كان محتاجا إلى ذلك، ولا ينتقل إلى الصوم، وهو الظاهر. وقال الشافعي : ينتقل إلى الصوم. والشهران بالأهلة، وإن جاء أحدهما ناقصا، أو بالعدد لا بالأهلة، فيصوم إلى الهلال، ثم شهرا بالهلال، ثم يتم الأول بالعدد. والظاهر وجوب التتابع، فإن أفطر بغير عذر استأنف، أو بعذر من سفر ونحوه. فقال ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي ومالك والشافعي : في أحد قوليه يبني. وقال النخعي وابن جبير والحكم بن عيينة والثوري وأصحاب الرأي والشافعي : في أحد قوليه.
والظاهر أنه إن وجد الرقبة بعد أن شرع في الصوم، أنه يصوم ويجزئه، وهو مذهب مالك والشافعي. وقال أبو حنيفة وأصحابه : يلزمه العتق، ولو وطئ في خلال الصوم بطل التتابع ويستأنف، وبه قال مالك وأبو حنيفة. وقال الشافعي : يبطل إن جامع نهارا لا ليلا.
فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ لصوم لزمانة به، أو كونه يضعف به ضعفا شديدا، كما جاء
في