البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٣٠
المعد لهم في الآخرة. وقرأ الجمهور : أَيْمانَهُمْ جمع يمين والحسن : إيمانهم، بكسر الهمزة : أي ما يظهرون من الإيمان، جُنَّةً : أي ما يتسترون به ويتقون المحدود، وهو الترس، فَصَدُّوا : أي أعرضوا، أو صدوا الناس عن الإسلام، إذ كانوا يثبطون من لقوا عن الإسلام ويضعفون أمر الإيمان وأهله، أو صدوا المسلمين عن قتلهم بإظهار الإيمان، وقتلهم هو سبيل اللّه فيهم، لكن ما أظهروه من الإسلام صدوا به المسلمين عن قتلهم.
لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً : تقدم الكلام على هذه الجملة في أوائل آل عمران. فَيَحْلِفُونَ لَهُ : أي للّه تعالى. ألا ترى إلى قولهم : وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ «١»؟ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ أنهم مؤمنون، وليسوا بمؤمنين. والعجب منهم، كيف يعتقدون أن كفرهم يخفى على عالم الغيب والشهادة، ويجرونه مجرى المؤمنين في عدم اطلاعهم على كفرهم ونفاقهم؟ والمقصود أنهم مقيمون على الكذب، قد تعودوه حتى كان على ألسنتهم في الآخرة كما كان في الدنيا، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ : أي شيء نافع لهم.
اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ : أي أحاط بهم من كل جهة، وغلب على نفوسهم واستولى عليها، وتقدمت هذه المادة في قوله تعالى : أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ «٢» في النساء، وأنها من حاذ الحمار العانة إذا ساقها، وجمعها غالبا لها، ومنه كان أحوذيا نسيج وحده.
وقرأ عمر : استحاذ، أخرجه على الأصل والقياس، واستحوذ شاذ في القياس فصيح في الاستعمال. فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ : فهم لا يذكرونه، لا بقلوبهم ولا بألسنتهم وحِزْبُ الشَّيْطانِ : جنده، قاله أبو عبيدة. أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ : هي أفعل التفضيل، أي في جملة من هو أذل خلق اللّه تعالى، لا ترى أحدا أذل منهم.
وعن مقاتل : لما فتح اللّه مكة للمؤمنين، والطائف وخيبر وما حولهم، قالوا : نرجو أن يظهرنا اللّه على فارس والروم، فقال عبد اللّه بن أبي : أتظنون الروم وفارس كبعض القرى التي غلبتم عليها؟ واللّه إنهم لأكثر عددا وأشد بطشا من أن تظنوا فيهم ذلك، فنزلت :
كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي : كَتَبَ : أي في اللوح المحفوظ، أو قضى. وقال قتادة : بمعنى قال، وَرُسُلِي : أي من بعثت منهم بالحرب ومن بعثت منهم بالحجة.
إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ : ينصر حزبه، عَزِيزٌ : يمنعه من أن يذل.

(١) سورة الأنعام : ٦/ ٢٣.
(٢) سورة النساء : ٤/ ١٤١.


الصفحة التالية
Icon