البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٣٧
ومناسبتها لما قبلها : أنه لما ذكر حال المنافقين واليهود وتولي بعضهم بعضا، ذكر أيضا ما حل باليهود من غضب اللّه عليهم وجلائهم، وإمكان اللّه تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام ممن حاد اللّه ورسوله ورام الغدر بالرسول عليه الصلاة والسلام وأظهر العداوة بحلفهم مع قريش.
وتقدم الكلام في تسبيح الجمادات التي يشملها العموم المدلول عليه بما، مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ : هم قريظة، وكانت قبيلة عظيمة توازن في القدر والمنزلة بني النضير، ويقال لهما الكاهنان، لأنهما من ولد الكاهن بن هارون، نزلوا قريبا من المدينة في فتن بني إسرائيل، انتظارا لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم، فكان من أمرهم ما قصه اللّه تعالى في كتابه. مِنْ دِيارِهِمْ : يتعلق بأخرج، ومِنْ أَهْلِ الْكِتابِ يتعلق بمحذوف، أي كائنين من أهل الكتاب. وصحت الإضافة إليهم لأنهم كانوا ببرية لا عمران فيها، فبنوا فيها وأنشئوا. واللام في لِأَوَّلِ الْحَشْرِ تتعلق بأخرج، وهي لام التوقيت، كقوله : لِدُلُوكِ الشَّمْسِ «١»، والمعنى : عند أول الحشر، والحشر : الجمع للتوجيه إلى ناحية ما. والجمهور : إلى أن هؤلاء الذين أخرجوا هم بنو النضير. وقال الحسن : هم بنو قريظة ورد هذا بأن بني قريظة ما حشروا ولا أجلوا وإنما قتلوا، وهذا الحشر هو بالنسبة لإخراج بني النضير. وقيل الحشر هو حشر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الكتائب لقتالهم، وهو أول حشر منه لهم، وأول قتال قاتلهم. وأول يقتضي ثانيا، فقيل : الأول حشرهم للجلاء، والثاني حشر عمر لأهل خيبر وجلاؤهم. وقد أخبر عليه الصلاة والسلام بجلاء أهل خيبر
بقوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«لا يبقين دينان في جزيرة».
وقال الحسن : أراد حشر القيامة، أي هذا أوله، والقيام من القبور آخره. وقال عكرمة والزهري :
المعنى : الأول موضع الحشر، وهو الشام. وفي الحديث، أنه عليه الصلاة والسلام قال لبني النضير :«اخرجوا»، قالوا : إلى أين؟ قال :«إلى أرض المحشر».
وقيل : الثاني نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب، وهذا الجلاء كان في ابتداء الإسلام، وأما الآن فقد نسخ، فلا بد من القتل والسبي أو ضرب الجزية.
ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا، لعظم أمرهم ومنعتهم وقوتهم ووثاقة حصونهم وكثرة عددهم وعددهم. وَظَنُّوا أَنَّهُمْ تمنعهم حصونهم من حرب اللّه وبأسه. ولما كان ظن المؤمنين منفيا هنا، أجري مجرى نفي الرجاء والطمع، فتسلط على أن الناصبة للفعل، كما