البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٤٦
من ضيغم بثراء الأرض مخدره ببطن عثر غيل دونه غيل
فالمخبر عنه مخوف لا خائف، والضمير في صُدُورِهِمْ. قيل : لليهود، وقيل :
للمنافقين، وقيل : للفريقين. وجعل المصدر مقرا للرهبة دليل على تمكنها منهم بحيث صارت الصدور مقرا لها، والمعنى : رهبتهم منكم أشد من رهبتهم من اللّه عز وجل.
لا يُقاتِلُونَكُمْ : أي بنو النضير وجميع اليهود. وقيل : اليهود والمنافقون جَمِيعاً : أي مجتمعين متساندين يعضد بعضهم بعضا، إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ : لا في الصحراء لخوفهم منكم، وتحصينها بالدروب والخنادق، أو من وراء جدار يتسترون به من أن تصيبوهم. وقرأ الجمهور : جُدُرٍ بضمتين، جمع جدار وأبو رجاء والحسن وابن وثاب : بإسكان الدال تخفيفا، ورويت عن ابن كثير وعاصم والأعمش. وقرأ أبو عمرو وابن كثير وكثير من المكيين : جدار بالألف وكسر الجيم. وقرأ كثير من المكيين، وهارون عن ابن كثير : جدر بفتح الجيم وسكون الدال. قال صاحب اللوامح : وهو وأخذ بلغة اليمن.
وقال ابن عطية : ومعناه أصل بنيان كالسور ونحوه. قال : ويحتمل أن يكون من جدر النخل، أي من وراء نخلهم، إذ هي مما يتقى به عند المصافة. بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ : أي إذا اقتتلوا بعضهم مع بعض. كان بأسهم شديدا أما إذا قاتلوكم، فلا يبقى لهم بأس، لأن من حارب أولياء اللّه خذل. تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً : أي مجتمعين، ذوي ألفة واتحاد. وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى : أي وأهواؤهم متفرقة، وكذا حال المخذولين، لا تستقر أهواؤهم على شيء واحد، وموجب ذلك الشتات هوانتفاء عقولهم، فهم كالبهائم لا تتفق على حالة. وقرأ الجمهور :
شَتَّى بألف التأنيث ومبشر بن عبيد : منونا، جعلها ألف الإلحاق وعبد اللّه : وقلوبهم أشت : أي أشد تفرقا، ومن كلام العرب : شتى تؤوب الحلبة. قال الشاعر :
إلى اللّه أشكوا فتية شقت العصا هي اليوم شتى وهي أمس جميع
قوله عز وجل : كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ، فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ، وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ، لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ، لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ، هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ