البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٥٥
كظريف وظراف وأبو جعفر : بضم الباء، كتؤام وظؤار، وهم اسم جمع الواحد بريء وتوأم وظئر، ورويت عن عيسى. قال أبو حاتم : زعموا أن عيسى الهمداني رووا عنه براء على فعال، كالذي في قوله تعالى : إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ «١» في الزخرف، وهو مصدر على فعال يوصف به المفرد والجمع. وقال الزمخشري : وبراء على إبدال الضممن الكسر، كرخال ورباب. انتهى. فالضمة في ذلك ليست بدلا من كسرة، بل هي ضمة أصلية، وهو قريب من أوزان أسماء الجموع، وليس جمع تكسير، فتكون الضمة بدلا من الكسرة، إلا قول إبراهيم استثناء من قوله : أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، قاله قتادة والزمخشري. قال مجاهد وقتادة وعطاء الخراساني وغيرهم : المعنى أن الأسوة لكم في هذا الوجه لا في الوجه الآخر، لأنه كان لعلمه ليست في نازلتكم.
وقال الزمخشري : فإن قلت : فإن كان قوله : لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مستثنى من القول الذي هو أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، فما بال قوله : وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ، وهو غير حقيق بالاستثناء؟ ألا ترى إلى قوله : فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً؟ قلت : أراد استثناء جملة قوله لأبيه، والقصد إلى موعد الاستغفار له وما بعده مبني عليه وتابع له، كأنه قال : أنا أستغفر لك وما في طاقتي إلا الاستغفار. انتهى. وقال الزمخشري : أولا بعد أن ذكر أن الاستثناء هو من قوله : أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في مقالات قال : لأنه أراد بالأسوة الحسنة، فهو الذي حق عليهم أن يأتسوا به ويتخذوه سنة يستنون بها. انتهى. والذي يظهر أنه مستثنى من مضاف لإبراهيم تقديره : أسوة حسنة في مقالات إبراهيم ومحاوراته لقومه إلا قول إبراهيم لأبيه لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، فليس فيه أسوة حسنة، فيكون على هذا استثناء متصلا.
وأما أن يكون قول إبراهيم مندرجا في أسوة حسنة، لأن معنى الأسوة هو الاقتداء والتأسي، فالقول ليس مندرجا تحته، لكنه مندرج تحت مقالات إبراهيم عليه السلام. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون الاستثناء من التبري والقطيعة التي ذكرت، لم تبق جملة إلا كذا.
انتهى. وقيل : هو استثناء منقطع المعنى، لكن قول إبراهيم لأبيه لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ، فلا تأسوا به فيه فتستغفروا وتفدوا آباءكم الكفار بالاستغفار. رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وما بعده، الظاهر أنه من تمام قول إبراهيم متصلا بما قبل الاستثناء، وهو من جملة ما يتأسى به فيه، وفصل بينهما بالاستثناء اعتناء بالاستثناء ولقربه من المستثنى منه، ويجوز أن يكون أمرا من

(١) سورة الزخرف : ٤٣/ ٢٦.


الصفحة التالية
Icon