البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٥٨
بالحلف إنها ما خرجت إلا حبا للّه ورسوله ورغبة في دين الإسلام. وقال ابن عباس أيضا ومجاهد وقتادة وعكرمة : كانت تستحلف أنها ما هاجرت لبغض في زوجها، ولا لجريرة جرتها، ولا لسبب من أغراض الدنيا سوى حب اللّه ورسوله والدار الآخرة. اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ : لأنه تعالى هو المطلع على أسرار القلوب ومخبآت العقائد، فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ : أطلق العلم على الظن الغالب بالحلف وظهور الإمارات بالخروج من الوطن، والحلول في قوم ليسوا من قومها، وبين انتفاء رجعهن إلى الكفار أزواجهن، وذلك هو التحريم بين المسلمة والكافر.
وقرأ طلحة : لا هن يحلان لهم، وانعقد التحريم بهذه الجملة، وجاء قوله : وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ على سبيل التأكيد وتشديد الحرمة، لأنه إذا لم تحل المؤمنة للكافر، علم أنه لا حل بينهما البتة. وقيل : أفاد قوله : وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ استمرار الحكم بينهم فيما يستقبل، كما هو في الحال ما داموا على الإشراك وهن على الإيمان. وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا : أمر أن يعطي الزوج الكافر ما أنفق على زوجته إذا أسلمت، فلا يجمع عليه خسران الزوجية والمالية.
قال ابن عباس : أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بعد امتحانها زوجها الكافر، ما أنفق عليها، فتزوجها عمر بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه، وكان إذا امتحنهن، أعطى أزواجهن مهورهن.
وقال قتادة : الحكم في رد الصداق إنما كان في نساء أهل العهد، فأما من لا عهد بينه وبين المسلمين، فلا يرد عليه الصداق، والأمر كما قال قتادة، ثم نفى الحرج في نكاح المؤمنين اياهن إذا آتوهن مهورهن، ثم أمر تعالى المؤمنين بفراق نسائهن الكوافر عوابد الأوثان.
وقرأ الجمهور : تُمْسِكُوا مضارع أمسك، كأكرم وأبو عمرو ومجاهد : بخلاف عنه وابن جبير والحسن والأعرج : مضارع مسك مشدّدا والحسن أيضا وابن أبي ليلى وابن عامر في رواية عبد الحميد وأبو عمرو في رواية معاذ : تمسكوا بفتح الثلاثة، مضارع تمسك محذوف الثاني بتمسكوا والحسن أيضا : تمسكوا بكسر السين، مضارع مسك ثلاثيا. وقال الكرخي : الْكَوافِرِ، يشمل الرجال والنساء، فقال له أبو علي الفارسي :
النحويون لا يرون هذا إلا في النساء، جمع كافرة، وقال : أليس يقال : طائفة كافرة وفرقة كافرة؟ قال أبو علي : فبهت فقلت : هذا تأييد. انتهى. وهذا الكرخي معتزلي فقيه، وأبو علي معتزلي، فأعجبه هذا التخريج، وليس بشيء لأنه لا يقال كافرة في وصف الرجال إلا تابعا لموصوفها، أو يكون محذوفا مرادا، أما بغير ذلك فلا يجمع فاعلة على فواعل إلا


الصفحة التالية
Icon