البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٦٠
وهكذا عن الزهري، يعطي من صداق من لحق بهم. ومعنى أعقبتم : دخلتم في العقبة، وعقبتم من عقبه إذا قفاه، لأن كل واحد من المتعاقبين يقفي صاحبه، وكذلك عقبتم بالتخفيف، يقال : عقبه يعقبه. انتهى. وقال الزجاج : فعاقبتم : قاضيتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم، وفسر غيرها من القراءات : لكانت العقبى لكم : أي كانت الغلبة لكم حتى غنمتم والكفار من قوله : إِلَى الْكُفَّارِ، ظاهره العموم في جميع الكفار، قاله قتادة ومجاهد. قال قتادة : ثم نسخ هذا الحكم. وقال ابن عباس : يعطى من الغنيمة قبل أن تخمس. وقال الزهري : من مال الفيء وعنه : من صداق من لحق بنا. وقيل : الكفار مخصوص بأهل العهد. وقال الزهري : اقتطع هذا يوم الفتح. وقال الثوري : لا يعمل به اليوم. وقال مقاتل : كان في عهد الرسول فنسخ. وقال ابن عطية : هذه الآية كلها قد ارتفع حكمها. وقال أبو بكر بن العربي القاضي : كان هذا حكم اللّه مخصوصا بذلك الزمان في تلك النازلة بإجماع الأمة. وقال القشيري : قال قوم هو ثابت الحكم إلى الآن.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ : كانت بيعة النساء في ثاني يوم الفتح على جبل الصفاء، بعد ما فرغ من بيعة الرجال، وهو على الصفا وعمر أسفل منه يبايعهن بأمره ويبلغهن عنه، وما مست يده عليه الصلاة والسلام يد امرأة أجنبية قط. وقالت أسماء بنت يزيد بن السكن : كنت في النسوة المبايعات، فقلت : يا رسول اللّه ابسط يدك نبايعك، فقال لي عليه الصلاة والسلام :«إني لا أصافح النساء لكن آخذ عليهن ما أخذ اللّه عليهن»، وكانت هند بنت عتبة في النساء، فقرأ عليهن الآية. فلما قررهن على أن لا يشركن باللّه شيئا، قالت هند : وكيف نطمع أن تقبل منا ما لم تقبله من الرجال؟ تعني أن هذا بين لزومه. فلما وقف على السرقة قالت : واللّه إني لأصيب الهنة من مال أبي سفيان، لا أدري أيحل لي ذلك؟ فقال أبو سفيان : ما أصبت من شيء فيما مضى وفيما عبر فهو لك حلال، فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعرفها، فقال لها :«وإنك لهند بنت عتبة»، قالت : نعم، فاعف عما سلف يا نبي اللّه عفا اللّه عنك. فقال : وَلا يَزْنِينَ، فقالت : أو تزني الحرة؟ قال :
وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ، فقالت : ربيناهم صغارا وقتلتهم كبارا، وكان ابنها حنظلة بن أبي سفيان قتل يوم بدر، فضحك عمر رضي اللّه تعالى عنه حتى استلقى، وتبسم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال : وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ، فقالت : واللّه إن البهتان لأمر قبيح، ولا يأمر اللّه إلا بالرشد ومكارم الأخلاق. فقال : وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ، فقالت : واللّه ما جلسنا مجلسنا هذا وفي أنفسنا أن نعصيك في شيء.
ومعنى قول هند : أو تزني الحرة أنه