البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٦٧
وعن ابن عباس : سبب نزولها أن الوحي أبطأ أربعين يوما، فقال كعب بن الأشرف :
يا معشر يهود ابشروا، اطفأ اللّه نور محمد فيما كان ينزل عليه وما كان ليتم نوره، فحزن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت واتصل الوحي.
وقرأ العربيان ونافع وأبو بكر والحسن وطلحة والأعرج وابن محيصن : مُتِمُّ بالتنوين، نُورِهِ بالنصب وباقي السبعة والأعمش : بالإضافة.
وقرأ الجمهور : تُنْجِيكُمْ مخففا والحسن وابن أبي إسحاق والأعرج وابن عامر :
مشددا. والجمهور : تُؤْمِنُونَ، وَتُجاهِدُونَ وعبد اللّه : آمنوا باللّه ورسوله وجاهدوا أمرين وزيد بن علي بالتاء، فيهما محذوف النون فيهما. فأما توجيه قراءة الجمهور، فقال المبرد : هو بمعنى آمنوا على الأمر، ولذلك جاء يغفر مجزوما. انتهى، فصورته صورة الخبر، ومعناه الأمر، ويدل عليه قراءة عبد اللّه، ونظيره قوله : اتقى اللّه امرؤ فعل خيرا يثب عليه، أي ليتق اللّه، وجيء به على صورة الخبر. قال الزمخشري : للإيذان بوجوب الامتثال وكأنه امتثل، فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين، ونظيره قول الداعي : غفر اللّه لك ويغفر اللّه لك، جعلت المغفرة لقوة الرجاء، كأنها كانت ووجدت. انتهى. وقال الأخفش : هو عطف بيان على تجارة، وهذا لا يتخيل إلا على تقدير أن يكون الأصل أن تؤمنوا حتى يتقدر بمصدر، ثم حذف أن فارتفع الفعل كقوله :
ألا أيهذا الزاجري احضر الوغا يريد : أن احضر، فلما حذف أن ارتفع الفعل، فكان تقدير الآية هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ : إيمان باللّه ورسوله وجهاد. وقال ابن عطية : تُؤْمِنُونَ فعل مرفوع تقديره ذلك أنه تؤمنون. انتهى، وهذا ليس بشيء، لأن فيه حذف المبتدأ وحذف أنه وإبقاء الخبر، وذلك لا يجوز. وقال الزمخشري : وتؤمنون استئناف، كأنهم قالوا : كيف نعمل؟ فقال : تؤمنون، ثم اتبع المبرد فقال : هو خبر في معنى الأمر، وبهذا أجيب بقوله : يَغْفِرْ لَكُمْ. انتهى. وأما قراءة عبد اللّه فظاهرة المعنى وجواب الأمر يغفر، وأما قراءة زيد فتتوجه على حذف لام الأمر، التقدير : لتؤمنوا، كقول الشاعر :
قلت لبواب على بابها تأذن لي أني من أحمائها
يريد : لتأذن، ويغفر مجزوم على جواب الأمر في قراءة عبد اللّه وقراءة زيد، وعلى تقدير المبرد. وقال الفراء : هو مجزوم على جواب الاستفهام، وهو قوله : هَلْ أَدُلُّكُمْ، واستبعد هذا التخريج. قال الزجاج : ليسوا إذا دلهم على ما ينفعهم يغفر لهم، إنما يغفر لهم إذا آمنوا وجاهدوا. وقال المهدوي : إنما يصح حملا على المعنى، وهو أن يكون