البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٩٠
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ : وهو محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا : هو القرآن، وانتصب يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ بقوله : لَتُنَبَّؤُنَّ، أو بخبير، بما فيه من معنى الوعيد والجزاء، أو باذكر مضمرة، قاله الزمخشري والأول عن النحاس، والثاني عن الحوفي. وقرأ الجمهور : يجمعكم بالياء وضم العين وروي عنه سكونها وإشمامها الضم وسلام ويعقوب وزيد بن علي والشعبي : بالنون. لِيَوْمِ الْجَمْعِ : يجمع فيه الأولون والآخرون، وذلك أن كل واحد يبعث طامعا في الخلاص ورفع المنزلة. ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ : مستعار من تغابن القوم في التجارة، وهو أن يغبن بعضهم بعضا، لأن السعداء نزلوا منازل الأشقياء لو كانوا سعداء، ونزل الأشقياء منازل السعداء لو كانوا أشقياء، وفي الحديث :«ما من عبد يدخل الجنة إلا أري مقعده من النار لو أساء ليزداد شكرا، وما من عبد يدخل النار إلا أري مقعده من الجنة لو أحسن ليزداد حسرة»
، وذلك معنى يوم التغابن. وعن مجاهد وغيره : إذا وقع الجزاء، غبن المؤمنون الكافرين لأنهم يجوزون الجنة وتحصل الكفار في النار. وقرأ الأعرج وشيبة وأبو جعفر وطلحة ونافع وابن عامر والمفضل عن عاصم وزيد بن عليّ والحسن بخلاف عنه : نكفر وندخله بالنون فيهما والأعمش وعيسى والحسن وباقي السبعة : بالياء فيهما.
قوله عز وجل : ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ، اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ، إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ، عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
الظاهر إطلاق المصيبة على الرزية وما يسوء العبد، أي في نفس أو مال أو ولد أو قول أو فعل، وخصت بالذكر، وإن كان جميع الحوادث لا تصيب إلا بإذن اللّه. وقيل :
ويحتمل أن يريد بالمصيبة الحادثة من خير وشر، إذ الحكمة في كونها بإذن اللّه. وما نافية، ومفعول أصاب محذوف، أي ما أصاب أحدا، والفاعل من مصيبة، ومن زائدة، ولم تلحق التاء أصاب، وإن كان الفاعل مؤنثا، وهو فصيح، والتأنيث لقوله تعالى : ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ