البحر المحيط، ج ١٠، ص : ١٩٨
فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ : أي أشرفن على انقضاء العدّة، فَأَمْسِكُوهُنَّ : أي راجعوهنّ، بِمَعْرُوفٍ : أي بغير ضرار، أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ : أي سرحوهنّ بإحسان، والمعنى : اتركوهنّ حتى تنقضي عدّتهنّ، فيملكن أنفسهنّ. وقرأ الجمهور :
أَجَلَهُنَّ على الإفراد والضحاك وابن سيرين : آجالهنّ على الجمع. والإمساك بمعروف : هو حسن العشرة فيما للزوجة على الزوج، والمفارقة بمعروف : هو أداء المهر والتمتيع والحقوق الواجبة والوفاء بالشرط. وَأَشْهِدُوا : الظاهر وجوب الإشهاد على ما يقع من الإمساك وهو الرجعة، أو المفارقة وهي الطلاق. وهذا الإشهاد مندوب إليه عند أبي حنيفة، كقوله : وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ «١» وعند الشافعية واجب في الرجعة، مندوب إليه في الفرقة. وقيل : وَأَشْهِدُوا : يريد على الرجعة فقط، والإشهاد شرط في صحتها، فلها منفعة من نفسها حتى يشهد. وقال ابن عباس : الإشهاد على الرجعة وعلى الطلاق يرفع عن النوازل أشكالا كثيرة، ويفسد تاريخ الإشهاد من الإشهاد. قيل : وفائدة الإشهاد أن لا يقع بينهما التجاحد، وأن لا يتهم في إمساكها، ولئلا يموت أحدهما فيدعي الثاني ثبوت الزوجية ليرث. انتهى. ومعنى منكم، قال الحسن : من المسلمين. وقال قتادة : من الأحرار. وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ : هذا أمر للشهود، أي لوجه اللّه خالصا، لا لمراعاة مشهود له، ولا مشهود عليه لا يلحظ سوى إقامة الحق. ذلِكُمْ : إشارة إلى إقامة الشهادة، إذ نوازل الأشياء تدور عليها، وما يتميز المبطل من المحق.
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ،
قال علي بن أبي طالب وجماعة : هي في معنى الطلاق، أي ومن لا يتعدى طلاق السنة إلى طلاق الثلاث وغير ذلك
يَجْعَلْ الله لَهُ مَخْرَجاً إن ندم بالرجعة، وَيَرْزُقْهُ ما يطعم أهله. انتهى. ومفهوم الشرط أنه إن لم يتق اللّه، فبت الطلاق وندم، لم يكن له مخرج، وزال عنه رزق زوجته. وقال ابن عباس : للمطلق ثلاثا :
إنك لم تتق اللّه، بانت منك امرأتك، ولا أرى لك مخرجا. وقال : يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً :
يخلصه من كذب الدنيا والآخرة. والظاهر أن قوله : وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ متعلق بأمر ما سبق من أحكام الطلاق. وروي أنها في غير هذا المعنى، وهو أن أسر ابن يسمى سالما لخوف بن مالك الأشجعي، فشكا ذلك للرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وأمره بالتقوى فقبل، ثم لم يلبث أن تفلت ولده واستاق مائة من الإبل، كذا في الكشاف.
وفي الوجيز : قطيعا من الغنم كانت للذين أسروه، وجاء أباه فسأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم : أيطيب له؟ فقال :«نعم»، فنزلت الآية.
وقال