البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٠٨
المشروع بوحي من اللّه، وإنما هو امتناع لتطييب خاطر بعض من يحسن معه العشرة.
ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ : هو مباشرة مارية جاريته، وكان صلّى اللّه عليه وسلّم ألمّ بها في بيت بعض نسائه، فغارت من ذلك صاحبة البيت، فطيب خاطرها بامتناعه منها، واستكتمها ذلك، فأفشته إلى بعض نسائه. وقيل : هو عسل كان يشربه عند بعض نسائه، فكان ينتاب بيتها لذلك، فغار بعضهن من دخوله بيت التي عندها العسل، وتواصين على أن يذكرن له على أن رائحة ذلك العسل ليس بطيب، فقال :«لا أشربه».
وللزمخشري هنا كلام أضربت عنه صفحا، كما ضربت عن كلامه في قوله : عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ «١»، وكلامه هذا ونحوه محقق قوي فيه، ويعزو إلى المعصوم ما ليس لائقا.
فلو حرم الإنسان على نفسه شيئا أحله اللّه، كشرب عسل، أو وطء سرية واختلفوا إذا قال لزوجته : أنت عليّ حرام، أو الحلال علي حرام، ولا يستثني زوجته فقال جماعة، منهم الشعبي ومسروق وربيعة وأبو سلمة وأصبغ : هو كتحريم الماء والطعام. وقال تعالى :
لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ «٢»، والزوجة من الطيبات ومما أحله اللّه. وقال أبو بكر وعمر وزيد وابن عباس وابن مسعود وعائشة وابن المسيب وعطاء وطاووس وسليمان بن يسار وابن جبير وقتادة والحسن والأوزاعي وأبو ثور وجماعة : هو يمين يكفرها. وقال ابن مسعود وابن عباس أيضا في إحدى روايتيه، والشافعي في أحد قوليه : فيه تكفير يمين وليس بيمين. وقال أبو حنيفة وسفيان والكوفيون : هذا ما أراد من الطلاق، فإن لم يرد طلاقها فهو لا شيء. وقال آخرون : كذلك، فإن لم يرد فهو يمين. وفي التحرير، قال أبو حنيفة وأصحابه : إن نوى الطلاق فواحدة بائنة، أو اثنين فواحدة، أو ثلاثا فثلاث، أو لم ينو شيئا فيمين وهو مول، أو الظهار فظهار. وقال ابن القاسم : لا تنفعه نية الظهار ويكون طلاقا.
وقال يحيى بن عمر : يكون، فإن ارتجعها، فلا يجوز له وطئها حتى يكفر كفارة الظهار فما زاد من أعداده، فإن نوى واحدة فرجعية، وهو قول الشافعي. وقال الأوزاعي وسفيان وأبو ثور : أي أي شيء نوى به من الطلاق وقع وإن لم ينو شيئا، فقال سفيان : لا شيء عليه.
وقال الأوزاعي وأبو ثور : تقع واحدة. وقال الزهري : له نيته ولا يكون أقل من واحدة، فإن لم ينو فلا شيء. وقال ابن جبير : عليه عتق رقبة وإن لم يكن ظهارا. وقال أبو قلابة وعثمان وأحمد وإسحاق : التحريم ظهار، ففيه كفارة. وقال الشافعي : إن نوى أنها محرمة كظهر أمه، فظهار أو تحريم عينها بغير طلاق، أو لم ينو فكفارة يمين. وقال مالك : هي ثلاث في
(٢) سورة المائدة : ٥/ ٨٧.