البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢١٢
عباس : بإدغامها في الكاف، وتقدم ذكر الخلاف في أَنْ يُبْدِلَهُ في سورة الكهف، والمتبدل به محذوف لدلالة المعنى عليه، تقديره : أن يبدله خيرا منكن، لأنهن إذا طلقهن كان طلاقهن لسوء عشرتهن، واللواتي يبدلهن بهذه الأوصاف يكن خيرا منهن. وبدأ في وصفهن بالإسلام، وهو الانقياد ثم بالإيمان، وهو التصديق ثم بالقنوت، وهو الطواعية ثم بالتوبة، وهي الإقلاع عن الذنب ثم بالعبادة، وهي التلذذ ثم بالسياحة، وهي كناية عن الصوم، قاله أبو هريرة وابن عباس وقتادة والضحاك. وقيل : إن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم فسره بذلك، قاله أيضا الحسن وابن جبير وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن. قال الفراء والقتيبي :
سمي الصائم سائحا لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل من حيث يجد الطعام. وقال زيد بن أسلم ويمان : مهاجرات. وقال ابن زيد : ليس في الإسلام سياحة إلا الهجرة.
وقيل : ذاهبات في طاعة اللّه. وقرأ الجمهور : سائحات، وعمرو بن فائد : سيحات، وهذه الصفات تجتمع، وأما الثيوبة والبكارة فلا يجتمعان، فلذلك عطف أحدهما على الآخر، ولو لم يأت بالواو لاختل المعنى. وذكر الجنسين لأن في أزواجه صلّى اللّه عليه وسلّم من تزوجها بكرا، والثيب : الراجع بعد زوال العذرة، يقال : ثابت تثوب ثووبا، ووزنه فعيل كسيد.
ولما وعظ أزواج الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم موعظة خاصة، أتبع ذلك بموعظة عامة للمؤمنين وأهليهم، وعطف وَأَهْلِيكُمْ على أَنْفُسَكُمْ، لأن رب المنزل راع وهو مسؤول عن أهله. ومعنى وقايتهم : حملهم على طاعته وإلزامهم أداء ما فرض عليهم.
قال عمر : يا رسول اللّه، نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ قال :«تنهونهن عما نهاكم اللّه تعالى عنه، وتأمرونهن بما أمركم اللّه به، فتكون ذلك وقاية بينهن وبين النار»
، ودخل الأولاد في وَأَهْلِيكُمْ. وقيل : دخلوا في أَنْفُسَكُمْ لأن الولد بعض من أبيه، فيعلمه الحلال والحرام ويجنبه المعاصي. وقرىء : وأهلوكم بالواو، وهو معطوف على الضمير في قُوا وحسن العطف للفصل بالمفعول. وقال الزمخشري : فإن قلت : أليس التقدير قوا أنفسكم وليق أهلوكم أنفسهم؟ قلت : لا، ولكن المعطوف مقارن في التقدير للواو وأنفسكم واقع بعده، فكأنه قيل : قوا أنتم وأهلوكم أنفسكم. لما جمعت مع المخاطب الغائب غلبته عليه. فجعلت ضميرهما معا على لفظ المخاطب. انتهى. وناقض في قوله هذا لأنه قدر وليق أهلوكم فجعله من عطف الجمل، لأن أهلوكم اسم ظاهرة لا يمكن عنده أن يرتفع بفعل الآمر الذي للمخاطب، وكذا في قوله : اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ «١»، ثم قال :