البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢١٧
وبكتبه : جميع ما يكتب في اللوح وغيره. واحتمل أن تكون الكلمات : ما صدر في أمر عيسى عليه السلام. وقرأ الحسن ومجاهد والجحدري : بكلمة على التوحيد، فاحتمل أن يكون اسم جنس، واحتمل أن يكون كناية عن عيسى، لأنه قد أطلق عليه أنه كلمة اللّه ألقاها إلى مريم. وقرأ أبو عمرو وحفص : وكتبه جمعا، ورواه كذلك خارجة عن نافع. وقرأ باقي السبعة : وكتابه على الإفراد، فاحتمل أن يراد به الجنس، وأن يراد به الإنجيل لا سيما إن فسرت الكلمة بعيسى. وقرأ أبو رجاء : وكتبه. قال ابن عطية : بسكون التاء وكتبه، وذلك كله مراد به التوراة والإنجيل. وقال صاحب اللوامح أبو رجاء : وكتبه بفتح الكاف، وهو مصدر أقيم مقام الاسم. قال سهل : وكتبه أجمع من كتابه، لأن فيه وضع المضاف موضع الجنس، فالكتب عام، والكتاب هو الإنجيل فقط. انتهى.
وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ : غلب الذكورية على التأنيث، والقانتين شامل للذكور والإناث، ومن للتبعيض. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون لابتداء الغاية على أنها ولدت من القانتين، لأنها من أعقاب هارون أخي موسى، صلوات اللّه وسلامه عليهما، وقال يحيى بن سلام : مثل ضربه اللّه يحذر به عائشة وحفصة من المخالفة حين تظاهرتا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم ضرب لهما مثلا بامرأة فرعون ومريم ابنة عمران ترغيبا في التمسك بالطاعات والثبات على الدّين. انتهى. وأخذ الزمخشري كلام ابن سلام هذا وحسنه وزمكه بفصاحة فقال : وفي طيّ هذين التمثيلين تعريض بأمّي المؤمنين المذكورتين في أول السورة، وما فرط منهما من التظاهر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما كرهه، وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشدّه لما في التمثيل من ذكر الكفر ونحوه. ومن التغليظ قوله : وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ «١»، وإشارة إلى أن من حقهما أن يكونا في الإخلاص والكتمان فيه كمثل هاتين المؤمنتين، وأن لا يشكلا على أنهما زوجتا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإن ذلك الفضل لا ينقصهما إلا مع كونهما مخلصين. والتعريض بحفصة أرج، لأن امرأة لوط أفشت عليه كما أفشت حفصة على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. وأسرار التنزيل ورموزه في كل باب بالغة من اللطف والخفاء حدّا يدق عن تفطن العالم ويزل عن تبصره. انتهى. وقال ابن عطية : وقال بعض الناس : إن في المثلين عبرة لزوجات النبي صلّى اللّه عليه وسلّم حين تقدم عتابهن، وفي هذا بعد، لأن النص أنه للكفار يبعد هذا، واللّه سبحانه وتعالى أعلم.