البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٢٥
وإن أهلك فذلك كان قدري أي تقديري. انتهى، ولا يحتاج إلى ادعاء الحذف في المصدر لأن فعله قد جاء ثلاثيا، كما أنشد :
وتسحقه ريح الصبا كل مسحق وقرأ الجمهور : بسكون الحاء وعلي وأبو جعفر والكسائي، بخلاف عن أبي الحرث عنه : بضمها. قال ابن عطية : فَسُحْقاً : نصبا على جهة الدعاء عليهم، وجاز ذلك فيه، وهو من قبل اللّه تعالى من حيث هذا القول فيهم مستقر أولا، ووجوده لم يقع إلا في الآخرة، فكأنه لذلك في حيز المتوقع الذي يدعى به، كما تقول : سحقا لزيد وبعدا، والنصب في هذا كله بإضمار فعل، وإن وقع وثبت، فالوجه فيه الرفع، كما قال تعالى :
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ «١»، وسَلامٌ عَلَيْكُمْ «٢»، وغير هذا من الأمثلة. انتهى. يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ : أي الذي أخبروا به من أمر المعاد وأحواله، أو غائبين عن أعين الناس، أي في خلواتهم، كقوله : ورجل ذكر اللّه خاليا ففاضت عيناه. وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ : خطاب لجميع الخلق. قال ابن عباس : وسببه أن بعض المشركين قال لبعض : أسروا قولكم لا يسمعكم إله محمد. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ : الهمزة للاستفهام ولا للنفي، والظاهر أن من مفعول، والمعنى : أينتفي علمه بمن خلق، وهو الذي لطف علمه ودق وأحاط بخفيات الأمور وجلياتها؟ وأجاز بعض النحاة أن يكون من فاعلا والمفعول محذوف، كأنه قال : ألا يعلم الخالق سركم وجهركم؟ وهو استفهام معناه الإنكار، أي كيف لا يعلم ما تكلم به من خلق الأشياء وأوجدها من العدم الصرف وحاله أنه اللطيف الخبير المتوصل علمه إلى ما ظهر من خلقه وما بطن؟
هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا : منة منه تعالى بذلك، والذلول فعول للمبالغة، من ذلك تقول : دابة ذلول : بينة الذل، ورجل ذليل : بين الذل. وقال ابن عطية :
والذلول فعول بمعنى مفعول، أي مذلولة، فهي كركوب وحلوب. انتهى. وليس بمعنى مفعول لأن فعله قاصر، وإنما تعدى بالهمزة كقوله : وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ «٣»، وأما بالتضعيف لقوله : وَذَلَّلْناها لَهُمْ «٤»، وقوله : أي مذلولة يظهر أنه خطأ. فَامْشُوا فِي مَناكِبِها : أمر
(٢) سورة الأعراف : ٧/ ٤٦.
(٣) سورة آل عمران : ٣/ ٢٦.
(٤) سورة يس : ٣٦/ ٧٢.