البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٢٨
التحرك، فجيء بما هو طارئ غير أصل بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض تارة بعد تارة، كما يكون من السابح. انتهى. وملخصه أن الغالب هو البسط، فكأنه هو الثابت، فعبر عنه بالاسم. والقبض متجدد، فعبر عنه بالفعل ب ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ : أي بقدرته. قال الزمخشري : وبما دبر لهن من القوادم والخوافي، وبنى الأجسام على شكل وخصائص قد يأتي منها الجري في الجو إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ : يعلم كيف يخلق وكيف يدبر العجائب. انتهى، وفيه نزوع إلى قول أهل الطبيعة. ونحن نقول :
إن أثقل الأشياء إذا أراد إمساكها في الهواء واستعلاءها إلى العرش كان ذلك، وإذا أراد إنزال ما هو أخف سفلا إلى منتهى ما ينزل كان، وليس ذلك معذوقا بشكل، لا من ثقل ولا خفة. وقرأ الجمهور : ما يمسكهن مخففا. والزهري مشددا. وقرأ الجمهور : أَمَّنْ، بإدغام ميم أم في ميم من، إذ الأصل أم من، وأم هنا بمعنى بل خاصة لأن الذي بعدها هو اسم استفهام في موضع رفع على الابتداء، وهذا خبر، والمعنى : من هو ناصركم إن ابتلاكم بعذابه وكذلك من هو رازقكم أن أمسك رزقه، والمعنى : لا أحد ينصركم ولا يرزقكم. وقرأ طلحة : أمن بتخفيف الميم ونقلها إلى الثانية كالجماعة. قال صاحب اللوامح : ومعناه : أهذا الذي هو جند لكم ينصركم، أم الذي يرزقكم؟ فلفظه لفظ الاستفهام، ومعناه التقريع والتوبيخ. انتهى. بَلْ لَجُّوا : تمادوا، فِي عُتُوٍّ : في تكبر وعناد، وَنُفُورٍ : شراد عن الحق لثقله عليهم. وقيل : هذا إشارة إلى أصنامهم.
أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ، قال قتادة نزلت مخبرة عن حال القيامة، وأن الكفار يمشون فيها على وجوههم، والمؤمنون يمشون على استقامة. وقيل للنبي صلّى اللّه عليه وسلّم : كيف يمشى الكافر على وجهه؟ فقال :«إن الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادر أن يمشيه في الآخرة على وجهه».
فالمشي على قول قتادة حقيقة. وقيل : هو مجاز، ضرب مثلا للكافر والمؤمن في الدنيا. فقيل : عام، وهو قول ابن عباس ومجاهد والضحاك، نزلت فيهما.
وقال ابن عباس أيضا : نزلت في أبي جهل والرسول عليه الصلاة والسلام.
وقيل : في أبي جهل وحمزة، والمعنى أن الكافر في اضطرابه وتعسفه في عقيدته وتشابه الأمر عليه، كالماضي في انخفاض وارتفاع، كالأعمى يتعثر كل ساعة فيخر لوجهه. وأما المؤمن، فإنه لطمأنينة قلبه بالإيمان، وكونه قد وضح له الحق، كالماشي صحيح البصر مستويا لا ينحرف على طريق واضح الاستقامة لا حزون فيها، فآلة نظره صحيحة ومسلكه لا صعوبة فيه.
ومُكِبًّا : حال من أكب، وهو لا يتعدى، وكب متعد، قال تعالى : فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي