البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٦٣
على لا يُؤْمِنُ داخل في العلة، وذلك يدل على عظم ذنب من لا يحض على إطعام المسكين، إذ جعل قرين الكفر، وهذا حكم ترك الحض، فكيف يكون ترك الإطعام؟ والتقدير على إطعام طعام المسكين. وأضاف الطعام إلى المسكين من حيث لم ينسبه إليه، إذ يستحق المسكين حقا في مال الغني الموسر ولو بأدنى يسار وللعرب في مكارمهم وإيثارهم آثار عجيبة غريبة بحيث لا توجد في غيرهم، وما أحسن ما قيل فيهم :
على مكثريهم رزق من يعتريهم وعند المقلين السماحة والبذل
وكان أبو الدرداء يحض امرأته على تكثير الرزق لأجل المساكين ويقول : خلعنا نصف السلسلة بالإيمان، أفلا نخلع نصفها الآخر؟ وقيل : هو منع الكفار. وقولهم :
أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ «١»، يعني أنه إذا نفى الحض انتفى الإطعام بجهة الأولى، كما صرح به في قوله تعالى : لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ «٢». فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ : أي صديق ملاطف وادّ، الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ «٣».
وقيل : قريب يدفع عنه. وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ، قال ابن عباس : هو صديد أهل النار. وقال قتادة وابن زيد : هو والزقوم أخبث شيء وأبشعه. وقال الضحاك والربيع : هو شجر يأكله أهل النار. وقيل : هو شيء يجري من أهل النار، يدل على هذا قوله في الغاشية : لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ «٤»، فهما شيء واحد أو متداخلان. قيل :
ويجوز أن يكونا متباينين، وأخبر بكل واحد منهما عن طائفة غير الطائفة التي الآخر طعامها، وله خبر ليس. وقال المهدوي : ولا يصح أن يكون هاهنا، ولم يبين ما المانع من ذلك.
وتبعه القرطبي في ذلك وقال : لأن المعنى يصير ليس هاهنا طعام إلا من غسلين، ولا يصح ذلك لأن ثم طعاما غيره، وهاهنا متعلق بما في له من معنى الفعل. انتهى. وإذا كان ثم غيره من الطعام، وكان الأكل غير أكل آخر، صح الحصر بالنسبة إلى اختلاف الأكلين.
وأما إن كان الضريع هو الغسلين، كما قال بعضهم، فلا تناقض، إذا المحصور في الآيتين هو شيء واحد، وإنما يمتنع ذلك من وجه غير ما ذكره، وهو أنه إذا جعلنا الخبر هاهنا، كان له واليوم متعلقين بما تعلق به الخبر، وهو العامل في هاهنا، وهو عامل معنوي، فلا يتقدم معموله عليه. فلو كان العامل لفظيا جاز، كقوله تعالى : وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ «٥»، فله متعلق بكفوا وهو خبر ليكن.

(١) سورة يس : ٣٦/ ٤٧.
(٢) سورة المدثر : ٧٤/ ٤٤.
(٣) سورة الزخرف : ٤٣/ ٦٧.
(٤) سورة الغاشية : ٨٨/ ٦.
(٥) سورة الإخلاص : ١١٢/ ٤.


الصفحة التالية
Icon