البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٦٥
تؤمنون إيمانا قليلا أو زمانا قليلا. وكذا التقدير في : قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ، والقلة هو إقرارهم إذا سئلوا من خلقهم قالوا اللّه. وقال ابن عطية : ونصب قَلِيلًا بفعل مضمر يدل عليه تُؤْمِنُونَ، وما تحتمل أن تكون نافية فينتفي إيمانهم البتة. ويحتمل أن تكون ما مصدرية، والمتصف بالقلة هو الإيمان اللغوي، لأنهم قد صدقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئا، إذ كانوا يصدقون أن الخير والصلة والعفاف الذي كان يأمر به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم هو حق صواب. انتهى. أمّا قوله : ونصب قليلا بفعل مضمر يدل عليه تؤمنون فلا يصح، لأن ذلك الفعل الدال عليه تُؤْمِنُونَ إما أن تكون ما نافية أو مصدرية، كما ذهب إليه. فإن كانت نافية، فذلك الفعل المضمر الدال عليه تؤمنون المنفي بما يكون منفيا، فيكون التقدير : ما تؤمنون قليلا ما تؤمنون، والفعل المنفي بما لا يجوز حذفه ولا حذف ما لا يجوز زيدا ما أضربه، على تقدير ما أضرب زيدا ما أضربه، وإن كانت مصدرية كانت ما في موضع رفع على الفاعلية بقليلا، أي قليلا إيمانكم، ويبقى قليلا لا يتقدمه ما يعتمد عليه حتى يعمل ولا ناصب له وإما في موضع رفع على الابتداء، فيكون مبتدأ لا خبر له، لأن ما قبله منصوب لا مرفوع. وقال الزمخشري : والقلة في معنى العدم، أي لا تؤمنون ولا تذكرون البتة، والمعنى : ما أكفركم وما أغفلكم. انتهى. ولا يراد بقليلا هنا النفي المحض، كما زعم، وذلك لا يكون إلا في أقل نحو : أقل رجل يقول ذلك إلا زيد، وفي قل نحو : قلّ رجل يقول ذلك إلا زيد. وقد تستعمل في قليل وقليلة إذا كانا مرفوعين، نحو ما جوزوا في قوله :
قليل بها الأصوات إلا بغاتها أما إذا كان منصوبا نحو : قليلا ضربت، أو قليلا ما ضربت، على أن تكون ما مصدرية، فإن ذلك لا يجوز، لأنه في : قليلا ضربت منصوب بضربت، ولم تستعمل العرب قليلا إذا انتصب بالفعل نفيا، بل مقابلا لكثير. وأمّا في قليلا ما ضربت على أن تكون ما مصدرية، فتحتاج إلى رفع قليل، لأن ما المصدرية في موضع رفع على الابتداء.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو بخلاف عنهما والجحدري والحسن : يؤمنون، يذكرون : بالياء فيهما وباقي السبعة : بتاء الخطاب وأبيّ : بياءين. وقرأ الجمهور :
تَنْزِيلٌ بالرفع وأبو السمال : تنزيلا بالنصب.
وقرأ الجمهور : وَلَوْ تَقَوَّلَ، والتقول أن يقول الإنسان عن آخر إنه قال شيئا لو يقله. وقرأ ذكوان وابنه محمد : يقول مضارع قال، وهذه القراءة معترضة بما صرحت به