البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٧٢
كأن قائلا قال : لمن هذا العذاب الواقع؟ فقيل : للكافرين. وقال الزمخشري : أو بالفعل، أي دعاء للكافرين، ثم قال : وعلى الثاني، وهو ثاني ما ذكر من توجيهه في الكافرين. قال هو كلام مبتدأ جواب للسائل، أي هو للكافرين، وكان قد قرر أن سال ضمن معنى دعا، فعدى تعديته كأنه قال : دعا داع بعذاب من قولك : دعا بكذا إذا استدعاه وطلبه، ومنه قوله تعالى : يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ «١». انتهى. فعلى ما قرره أنه متعلق بدعا، يعني بسال، فكيف يكون كلاما مبتدأ جوابا للسائل أي هو للكافرين؟ هذا لا يصح. فقد أخذ قول قتادة والحسن وأفسده، والأجود أن يكون من اللّه متعلقا بقوله : واقِعٍ. ولَيْسَ لَهُ دافِعٌ : جملة اعتراض بين العامل والمعمول. وقيل : يتعلق بدافع، أي من جهته إذا جاء وقته.
ذِي الْمَعارِجِ : المعارج لغة الدرج وهنا استعارة، قال ابن عباس وقتادة : في الرتب والفواضل والصفات الحميدة. وقال ابن عباس أيضا : المعارج : السموات تعرج فيها الملائكة من سماء إلى سماء. وقال الحسن : هي المراقي إلى السماء، وقيل :
المعارج : الغرف، أي جعلها لأوليائه في الجنة تعرج، قراءة الجمهور بالتاء على التأنيث، وعبد اللّه والكسائي وابن مقسم وزائدة عن الأعمش بالياء. وَالرُّوحُ، قال الجمهور هو جبريل، خص بالذكر تشريفا، وأخر هنا بعد الملائكة، وقدم في قوله : يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا «٢». وقال مجاهد : ملائكة حفظة للملائكة الحافظين لبني آدم، لا تراهم الحفظة كما لا نرى نحن حفظتنا. وقيل : الروح ملك غير جبريل عظيم الخلقة. وقال أبو صالح : خلق كهيئة الناس وليسوا بالناس. وقال قبيصة بن ذؤيب : روح الميت حين تقبض إليه، الضمير عائد على اللّه تعالى، أي إلى عرشه وحيث يهبط منه أمره تعالى. وقيل : إليه، أي إلى المكان الذي هو محلهم وهو في السماء لأنها محل بره وكرامته، والظاهر أن المعنى : أنها تعرج في يوم من أيامكم هذه، ومقدار المسافة أن لو عرجها آدمي خمسون ألف سنة، قاله ابن عباس وابن إسحاق وجماعة من الحذاق منهم القاضي منذر بن سعيد.
فإن كان العارج ملكا، فقال مجاهد : المسافة هي من قعر الأرض السابعة إلى العرش ومن جعل الروح جنس أنواع الحيوان، قال وهب : المسافة من وجه الأرض إلى منتهى العرش. وقال عكرمة والحكم : أراد مدة الدنيا، فإنها خمسون ألف سنة لا يدري أحد ما مضى منها وما بقي، أي تعرج في مدة الدنيا وبقاء هذه البنية. وقال ابن عباس أيضا : هو
(٢) سورة النبأ : ٧٨/ ٣٨.