البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٧٧
عليهم بذلك يعطي الجنة، بل بالإيمان والعمل الصالح. وقال قتادة في تفسيرها : إنما خلقت من قذر يا ابن آدم. وقال أنس : كان أبوبكر إذا خطبنا ذكر مناتن ابن آدم ومروره في مجرى البول مرتين، وكذلك نطفة في الرحم، ثم علقة، ثم مضغة إلى أن يخرج فيتلوث في نجاسته طفلا. فلا يقلع أبوبكر حتى يقذر أحدنا نفسه، فكأنه قيل : إذا كان خلقكم من نطفة مذرة، فمن أين تتشرّفون وتدعون دخول الجنة قبل المؤمنين؟ وأبهم في قوله : مِمَّا يَعْلَمُونَ، وإن كان قد صرّح به في عدّة مواضع إحالة على تلك المواضع. ورأى مطرف بن عبد اللّه بن الشخير المهلب بن أبي صفرة يتبختر في مطرف خز وجبة خز، فقال له : يا عبد اللّه، ما هذه المشية التي يبغضها اللّه تعالى؟ فقال له : أتعرفني؟ قال : نعم، أوّلك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت تحمل عذرة. فمضى المهلب وترك مشيته.
وقرأ الجمهور : فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ، لا نفيا وجمعهما وقوم بلام دون ألف وعبد اللّه بن مسلم وابن محيصن والجحدري : المشرق والمغرب مفردين.
أقسم تعالى بمخلوقاته على إيجاب قدرته، على أن يبدل خيرا منهم، وأنه لا يسبقه شيء إلى ما يريد. فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا : وعيد، وما فيه من معنى المهادنة هو منسوخ بآية السيف. وقرأ أبو جعفر وابن محيصن : يلقوا مضارع لقى، والجمهور : يُلاقُوا مضارع لاقى والجمهور : يَخْرُجُونَ مبنيا للفاعل. قال ابن عطية : وروى أبو بكر عن عاصم مبنيا للمفعول، ويَوْمَ بدل من يَوْمَهُمُ. وقرأ الجمهور : نصب بفتح النون وسكون الصاد وأبو عمران الجوني ومجاهد : بفتحهما وابن عامر وحفص : بضمهما والحسن وقتادة : بضم النون وسكون الصاد. والنصب : ما نصب للإنسان، فهو يقصده مسرعا إليه من علم أو بناء أو صنم، وغلب في الأصنام حتى قيل الأنصاب. وقال أبو عمرو : هو شبكة يقع فيها الصيد، فيسارع إليها صاحبها مخافة أن يتفلت الصيد منها. وقال مجاهد : نصب علم، ومن قرأ بضمهما، قال ابن زيد : أي أصنام منصوبة كانوا يعبدونها.
وقال الأخفش : هو جمع نصب، كرهن ورهن، والأنصاب جمع الجمع. يوفضون :
يسرعون. وقال أبو العالية : يستبقون إلى غايات. قال الشاعر :
فوارس ذنيان تحت الحديد كالجن يوفضن من عبقر
وقال آخر في معنى الإسراع :
لأنعتنّ نعامة ميفاضا حرجاء ظلت تطلب الاضاضا


الصفحة التالية
Icon