البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٩٤
الإيمان به متضمنا الإيمان باللّه وبوحدانيته وبراءة من الشرك قالوا : وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً.
وقرأ الحرميان والأبوان : بفتح الهمزة من قوله : وَأَنَّهُ تَعالى وما بعده، وهي اثنتا عشرة آية آخرها وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وباقي السبعة : بالكسر. فأما الكسر فواضح لأنها معطوفات على قوله : إِنَّا سَمِعْنا، فهي داخلة في معمول القول. وأما الفتح، فقال أبو حاتم : هو على أُوحِيَ، فهو كله في موضع رفع على ما لم يسم فاعله. انتهى. وهذا لا يصح، لأن من المعطوفات ما لا يصح دخوله تحت أُوحِيَ، وهو كل ما كان فيه ضمير المتكلم، كقوله : وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ. ألا ترى أنه لا يلائم أُوحِيَ إِلَيَّ، أَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ، وكذلك باقيها؟ وخرجت قراءة الفتح على أن تلك كلها معطوفة على الضمير المجرور في به من قوله : فَآمَنَّا بِهِ : أي وبأنه، وكذلك باقيها، وهذا جائز على مذهب الكوفيين، وهو الصحيح. وقد تقدم احتجاجنا على صحة ذلك في قوله : وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ «١». وقال مكي : هو أجود في أن منه في غيرها لكثرة حذف حرف الجر مع أن. وقال الزجاج : وجهه أن يكون محمولا على آمنا به، لأنه معناه :
صدقناه وعلمناه، فيكون المعنى : فآمنا به أنه تعالى جد ربنا وسبقه إلى نحوه الفراء قال :
فتحت أن لوقوع الإيمان عليها، وأنت تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح دون بعض، فلا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح، فإنه يحسن فيه ما يوجب فتح أن نحو : صدقنا وشهدنا.
وأشار الفراء إلى أن بعض ما فتح لا يناسب تسليط آمنا عليه، نحو قوله : وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِباً، وتبعهما الزمخشري فقال : ومن فتح كلهن فعطفا على محل الجار والمجرور في آمنا به، كأنه قيل : صدقناه وصدقنا أنه تعالى جد ربنا، وأنه كان يقول سفيهنا، وكذلك البواقي. انتهى. ولم يتفطن لما تفطن له الفراء من أن بعضها لا يحسن أن يعمل فيه آمنا. وقرأ الجمهور : جَدُّ رَبِّنا، بفتح الجيم ورفع الدال، مضافا إلى ربنا : أي عظمته، قاله الجمهور. وقال أنس والحسن : غناه. وقال مجاهد :
ذكره. وقال ابن عباس : قدره وأمره. وقرأ عكرمة : جد منونا، ربنا مرفوع الباء، كأنه قال :
عظيم هو ربنا، فربنا بدل، والجد في اللغة العظيم. وقرأ حميد بن قيس : جد بضم الجيم مضافا ومعناه العظيم، حكاه سيبويه، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، والمعنى :

(١) سورة البقرة : ٢/ ٢١٧.


الصفحة التالية
Icon