البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٢٩٧
يَسْتَمِعِ الْآنَ
، الآن ظرف زمان للحال، ويستمع مستقبل، فاتسع في الظرف واستعمل للاستقبال، كما قال :
سأسعى الآن إذ بلغت اناها فالمعنى : فمن يقع منه استماع في الزمان الآتي، يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً : أي يرصده فيحرقه، هذا لمن استمع. وأما السمع فقد انقطع، كما قال تعالى : إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ «١»، والرجم كان في الجاهلية، وذلك مذكور في أشعارهم، ويدل عليه
الحديث حين رأى عليه الصلاة والسلام نجما قد رمي به، قال :«ما كنتم تقولون في مثل هذا في الجاهلية»؟ قالوا : كنا نقول : يموت عظيم أو يولد عظيم.
قال أوس بن حجر :
وانقض كالدري يتبعه نقع يثور بحالة طنبا
وقال عوف بن الجزع :
فرد علينا العير من دون إلفه أو الثور كالدري يتبعه الدم
وقال بشر بن أبي حازم :
والعير يرهقها الغبار وجحشها ينقض خلفهما انقضاض الكوكب
قال التبريزي : وهؤلاء الشعراء كلهم جاهليون ليس فيهم مخضرم، وقال معمر : قلت للزهري : أكان يرمى بالنجوم في الجاهلية؟ قال : نعم، قلت : أرأيت قوله : وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ؟ فقال : غلظت وشدد أمرها حين بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم. وقال الجاحظ :
القول بالرمي أصح لقوله : فَوَجَدْناها مُلِئَتْ، وهذا إخبار عن الجن أنه زيد في حرس السماء حتى امتلأت، ولما روى ابن عباس وذكر الحديث السابق. وقال الزمخشري : تابعا للجاحظ، وفي قوله دليل على أن الحرس هو الملء والكثرة، فلذلك نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ :
أي كنا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب، والآن ملئت المقاعد كلها.
انتهى. وهذا كله يبطل قول من قال : إن الرجم حدث بعد مبعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، وهو إحدى آياته. والظاهر أن رصدا على معنى : ذوي شهاب راصدين بالرجم، وهم الملائكة الذين يرجمونهم بالشهب ويمنعونهم من الاستماع.
ولما رأوا ما حدث من كثرة الرجم ومنع الاستراق قالوا : وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ، وهو كفرهم بهذا النبي صلّى اللّه عليه وسلم، فينزل بهم الشر، أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً،