البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٠٥
أولياء مرتضين، فليسوا برسل. وقد خص اللّه الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب وإبطال الكهانة والتنجيم، لأن أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط. انتهى. وقال ابن عباس : عالِمُ الْغَيْبِ، قال الحسن : ما غاب عن خلقه، وقيل : الساعة. وقال ابن عباس : إلا بمعنى لكن، فجعله استثناء منقطعا. وقيل : إلا بمعنى ولا أي، ولا من ارتضى من رسول وعالم خبر مبتدأ محذوف، أي هو عالم الغيب، أو بدل من ربي. وقرىء : عالم بالنصب على المدح. وقال السدّي : علم الغيب، فعلا ماضيا ناصبا، والجمهور : عالم الغيب اسم فاعل مرفوعا. وقرأ الجمهور : فَلا يُظْهِرُ من أظهر والحسن : يظهر بفتح الياء والهاء من ظهر، إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ :
استثناء من أحدا، أي فإنه يظهره على ما يشاء من ذلك، فإنه يسلك اللّه من بين يدي ذلك الرسول، وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً : أي حفظة يحفظونه من الجن ويحرسونه في ضبط ما يلقيه تعالى إلى ذلك الرسول من علم الغيب. وعن الضحاك : ما بعث نبي إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين أن يتشبهوا بصورة الملك.
وقال القرطبي : قال العلماء : لما تمدح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوّتهم، ثم ذكر استدلالا على بطلان ما يقوله المنجم، ثم قال باستحلال دم المنجم. وقال الواحدي : في هذا دليل على أن من ادعى أن النجوم تدل على ما يكون من حياة أو موت أو غير ذلك فقد كفر بما في القرآن. قال أبو عبد اللّه الرازي والواحدي : تجوز الكرامات على ما قال صاحب الكشاف، فجعلها تدل على المنع من الأحكام النجومية ولا تدل على الإلهامات مجرد تشبه، وعندي أن الآية لا تدل على شيء مما قالوه، لأن قوله : عَلى غَيْبِهِ ليس فيه صفة عموم، فيكفي في العمل بمقتضاه أن لا يظهر خلقه تعالى على غيب واحد من غيوبه، ويحمله على وقت قيام القيامة فلا يبقى دليل في الآية على أنه لا يظهر شيئا من الغيوب لأحد، ويؤكده أنه ذكر هذه الآية عقيب قوله : إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ الآية : أي لا أدري وقت وقوع القيامة، إذ هي من الغيب الذي لا يظهره اللّه لأحد. وإِلَّا مَنِ ارْتَضى : استثناء منقطع، كأنه قال : فلا يظهر على غيبه المخصوص أحدا إلا من ارتضى من رسول، فله حفظة يحفظونه من شرّ مردة الإنس والجن.
قال أبو عبد اللّه الرازي : واعلم أنه لا بد من القطع بأنه ليس المراد من هذه الآية أنه