البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣١٣
التركيب قم الليل نصفه. وقد أبطلنا قول من قال : إلا قليلا استثناء من البدل وهو نصفه، وأن التقدير : قم الليل نصفه إلا قليلا منه، أي من النصف. وأيضا ففي دعوى أن نصفه بدل من إلا قليلا، والضمير في نصفه عائد على الليل، إطلاق القليل على النصف، ويلزم أيضا أن يصير التقدير : إلا نصفه فلا تقمه، أو انقص من النصف الذي لا تقومه، أو زد عليه النصف الذي لا تقومه، وهذا معنى لا يصح، وليس المراد من الآية قطعا.
وقال الزمخشري : وإن شئت جعلت نصفه بدلا من قليلا، وكان تخييرا بين ثلاث :
بين قيام النصف بتمامه، وبين قيام الناقص منه، وبين قيام الزائد عليه وإنما وصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل. وإن شئت قلت : لما كان معنى قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا نِصْفَهُ : إذا أبدلت النصف من الليل، قم أقل من نصف الليل، رجع الضمير في منه وعليه إلى الأقل من النصف، فكأنه قيل : قم أقل من نصف الليل، وقم أنقص من ذلك الأقل أو أزيد منه قليلا، فيكون التخيير فيما وراء النصف بينه وبين الثلث، ويجوز إذا أبدلت نصفه من قليلا وفسرته به أن تجعل قليلا الثاني بمعنى نصف النصف وهو الربع، كأنه قيل : أو انقص منه قليلا نصفه، وتجعل المزيد على هذا القليل، أعني الربع نصف الربع، كأنه قيل : أو زد عليه قليلا نصفه. ويجوز أن تجعل الزيادة لكونها مطلقة تتمة الثلث، فيكون تخييرا بين النصف والثلث والربع. انتهى. وما أوسع خيال هذا الرجل، فإنه يجوز ما يقرب وما يبعد، والقرآن لا ينبغي، بل لا يجوز أن يحمل إلا على أحسن الوجوه التي تأتي في كلام العرب، كما ذكرناه في خطبة هذا الكتاب. وممن نص على جواز أن يكون نصفه بدلا من الليل أو من قليلا الزمخشري، كما ذكرنا عنه. وابن عطية أورده مورد الاحتمال، وأبو البقاء، وقال : أشبه بظاهر الآية أن يكون بدلا من قليلا، أو زد عليه، والهاء فيهما للنصف.
فلو كان الاستثناء من النصف لصار التقدير : قم نصف الليل إلا قليلا، أو انقص منه قليلا.
والقليل المستثنى غير مقدر، فالنقصان منه لا يتحصل. انتهى. وأما الحوفي فأجاز أن يكون بدلا من الليل، ولم يذكر غيره.
وقال ابن عطية : وقد يحتمل عندي قوله : إِلَّا قَلِيلًا أنه استثناء من القيام، فيجعل الليل اسم جنس. ثم قال : إِلَّا قَلِيلًا، أي الليالي التي تخل بقيامها عند العذر البين ونحوه، وهذا النظر يحسن مع القول بالندب. انتهى، وهذا خلاف الظاهر. وقيل : المعنى أو نصفه، كما تقول : أعطه درهما درهمين ثلاثة، تريد : أو درهمين، أو ثلاثة. انتهى، وفيه حذف حرف العطف من غير دليل عليه. وقال التبريزي : الأمر بالقيام والتخيير في الزيادة


الصفحة التالية
Icon