البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣١٨
فكيف تقون أنفسكم يوم القيامة وهو له إن بقيتم على الكفر ولم تؤمنوا وتعملوا صالحا؟
انتهى. وتتقون مضارع اتقى، واتقى ليس بمعنى وقى حتى يفسره به، واتقى يتعدى إلى واحد، ووقى يتعدى إلى اثنين. قال تعالى : وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ «١»، ولذلك قدره الزمخشري : تقون أنفسكم يوم القيامة، لكنه ليس تتقون بمعنى تقون، فلا يتعدى بعديته، ودس في قوله : ولم تؤمنوا وتعملوا صالحا الاعتزال. قال : ويجوز أن يكون ظرفا، أي فكيف لكم بالتقوى في يوم القيامة إن كفرتم في الدنيا؟ قال : ويجوز أن ينتصب بكفرتم على تأويل جحدتم، أي فكيف تتقون اللّه وتخشونه إن جحدتم يوم القيامة؟ والجزاء لأن تقوى اللّه خوف عقابه. انتهى. وقرأ الجمهور : يَوْماً منونا، يَجْعَلُ بالياء والجملة من قوله : يَجْعَلُ صفة ليوم، فإن كان الضمير في يَجْعَلُ عائدا على اليوم فواضح وهو الظاهر وإن عاد على اللّه، كما قال بعضهم، فلا بد من حذف ضمير يعود إلى اليوم، أي يجعل فيه كقوله : يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ «٢». وقرأ زيد بن عليّ : بغير تنوين : نجعل بالنون، فالظرف مضاف إلى الجملة، والشيب مفعول ثان ليجعل، أي يصير الصبيان شيوخا، وهو كناية عن شدة ذلك اليوم. ويقال في اليوم الشديد : يوم يشيب نواصي الأطفال، والأصل فيه أن الهموم إذا تفاقمت أسرعت بالشيب. قال المتنبي :
والهم يخترم الجسيم نحافة ويشيب ناصية الصبي ويهرم
وقال قوم : ذلك حقيقة تشيب رؤوسهم من شدة الهول، كما قد يرى الشيب في الدنيا من الهم المفرط، كهول البحر ونحوه. وقال الزمخشري : ويجوز أن يوصف اليوم بالطول، وأن الأطفال يبلغون فيه أوان الشيخوخة. وقال السدي : الولدان : أولاد الزنا. وقيل : أولاد المشركين، والظاهر العموم، أي يشيب الصغير من غير كبر، وذلك حين يقال لآدم : يا آدم قم فابعث بعث النار. وقيل : هذا وقت الفزع قبل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق.
السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ، قال الفراء : يعني المظلة تذكر وتؤنث، فجاء منفطر على التذكير، ومنه قول الشاعر :
فلو رفع السماء إليه قوم لحقنا بالسماء وبالسحاب
وعلى القول بالتأنيث، فقال أبو علي الفارسي : هو من باب الجراد المنتشر، والشجر الأخضر، وأعجاز نخل منقعر. انتهى، يعني أنها من باب اسم الجنس الذي بينه وبين
(٢) سورة البقرة : ٢/ ٤٨ - ١٢٣.