البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٢٠
قوله : وَنِصْفَهُ فهو مطابق لقوله أولا : نِصْفَهُ. وأما ثلثه فإن قوله : أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا قد ينتهي النقص في القليل إلى أن يكون الوقت ثلث الليل. وأما قوله : أَوْ زِدْ عَلَيْهِ، فإنه إذا زاد على النصف قليلا، كان الوقت أقل من الثلثين، فيكون قد طابق قوله :
أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ، ويكون قوله تعالى : نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا شرحا لمبهم ما دل عليه قوله : قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا، وعلى قراءة النصب.
قال الحسن وابن جبير : معنى تحصوه : تطيقوه، أي قدر تعالى أنهم يقدرون الزمان على ما مر في أول السورة، فلم يطيقوا قيامه لكثرته وشدته، فخفف تعالى عنهم فضلا منه، لا لعلة جهلهم بالتقدير وإحصاء الأوقات. وأما قراءة الجر، فالمعنى أنه قيام مختلف مرة أدنى من الثلثين، ومرة أدنى من النصف، ومرة أدنى من الثلث، وذلك لتعذر معرفة البشر مقادير الزمان مع عذر النوم. وتقدير الزمان حقيقة إنما هو للّه تعالى، والبشر لا يحصون ذلك، أي لا يطيقون مقادير ذلك، فتاب عليهم، أي رجع بهم من الثقل إلى الخفة وأمرهم بقيام ما تيسر. وعلى القراءتين يكون علمه تعالى بذلك على حسب الوقوع منهم، لأنهم قاموا تلك المقادير في أوقات مختلفة قاموا أدنى من الثلثين ونصفا وثلثا، وقاموا أدنى من النصف وأدنى من الثلث، فلا تنافي بين القراءتين. وقرأ الجمهور : وَثُلُثَهُ بضم اللام وابن كثير في رواية شبل : بإسكانها وطائفة : معطوف على الضمير المستكن في تَقُومُ، وحسنه الفصل بينهما. وقوله : وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ دليل على أنه لم يكن فرضا على الجميع، إذ لو كان فرضا، لكان التركيب : والذين معك، إلا إن اعتقد أنهم كان منهم من يقوم في بيته، ومنهم من يقوم معه، فيمكن إذ ذاك الفرضية في حق الجميع.
وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ : أي هو وحده تعالى العالم بمقادير الساعات. قال الزمخشري : وتقديم اسمه عز وجل مبتدأ مبنيا عليه يقدر هو الدال على معنى الاختصاص بالتقدير. انتهى. وهذا مذهبه، وإنما استفيد الاختصاص من سياق الكلام لا من تقديم المبتدأ. لو قلت : زيد يحفظ القرآن أو يتفقه في كتاب سيبويه، لم يدل تقديم المبتدأ على الاختصاص. وأن مخففة من الثقيلة، والضمير في نحصوه، الظاهر أنه عائد على المصدر المفهوم من يقدر، أي أن لن تحصوا تقدير ساعات الليل والنهار، لا تحيطوا بها على الحقيقة. وقيل : الضمير يعود على القيام المفهوم من قوله : فَتابَ عَلَيْكُمْ. قيل :
فيه دليل على أنه كان فيهم من ترك بعض ما أمر به. وقيل : رجع بكم من ثقل إلى خف، ومن عسر إلى عسر، ورخص لكم في ترك القيام المقدر. فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ :