البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٣٥
لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ، كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ، وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ.
الكاف في محل نصب، وذلك إشارة إلى ما قبله من معنى الإضلال والهدى، أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى، يضل الكافرين فيشكون فيزيدهم كفرا وضلالا، ويهدي المؤمنين فيزيدهم إيمانا. وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ : إعلام بأن الأمر فوق ما يتوهم، وأن الجزاء إنما هو عن بعض القدرة لا عن كلها، والسماء عامرة بأنواع من الملائكة. وفي الحديث :«أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا وملك واضع جبهته للّه ساجدا».
وَما هِيَ : أي النار، قاله مجاهد، أو المخاطبة والنذارة، أو نار الدنيا، أو الآيات التي ذكرت، أو العدّة التسعة عشر، أو الجنود، أقوال راجحها الأول وهي سقر، ذكر بها البشر ليخافوا ويطيعوا. وقد جرى ذكر النار أيضا في قوله : وما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً. إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ : أي الذين أهلوا للتذكر والاعتبار.
كَلَّا، قال الزمخشري : كلا إنكار بعد أن جعلها ذكرى، أن يكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون. انتهى. ولا يسوغ هذا في حق اللّه تعالى أن يخبر أنها ذكرى للبشر، ثم ينكر أن تكون لهم ذكرى، وإنما قوله : لِلْبَشَرِ عام مخصوص. وقال الزمخشري : أو ردع لمن ينكر أن يكون إحدى الكبر نذيرا. وقيل : ردع لقول أبي جهل وأصحابه أنهم يقدرون على مقاومة خزنة جهنم. وقيل : ردع عن الاستهزاء بالعدة المخصوصة. وقال الفراء : هي صلة للقسم، وقدرها بعضهم بحقا، وبعضهم بألا الاستفتاحية، وقد تقدم الكلام عليها في آخر سورة مريم عليها السلام.
وَالْقَمَرِ وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ : أي ولى، ويقال دبر وأدبر بمعنى واحد. أقسم تعالى بهذه الأشياء تشريفا لها وتنبيها على ما يظهر بها وفيها من عجائب اللّه وقدرته، وقوام الوجود بإيجادها. وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وعطاء وابن يعمر وأبو جعفر وشيبة وأبو الزناد وقتادة وعمر بن العزيز والحسن وطلحة والنحويان والابنان وأبوبكر : إذا ظرف زمان مستقبل دبر بفتح الدال وابن جبير والسلمي والحسن : بخلاف عنهم وابن سيرين والأعرج وزيد بن علي وأبو شيخ وابن محيصن ونافع وحمزة وحفص : إذ ظرف زمان ماض، أدبر رباعيا والحسن أيضا وأبو رزين وأبو رجاء وابن يعمر أيضا والسلمي أيضا وطلحة أيضا والأعمش ويونس بن عبيد ومطر : إذا بالألف، أدبر بالهمز، وكذا هو في مصحف عبد اللّه وأبيّ، وهو مناسب لقوله : إِذا أَسْفَرَ، ويقال : كأمس الدابر وأمس المدبر بمعنى واحد.