البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٤٠
أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً : أي منشورة غير مطوية تقرأ كالكتب التي يتكاتب بها، أو كتبت في السماء نزلت بها الملائكة ساعة كتبت رطبة لم تطو بعد، وذلك
أنهم قالوا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم : لن نتبعك حتى يؤتى كل واحد منا بكتاب من السماء عنوانه : من رب العالمين إلى فلان بن فلان، يؤمر فيها باتباعك، ونحوه لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ «١». وروي أن بعضهم قال : إن كان يكتب في صحف ما يعمل كل إنسان، فلتعرض تلك الصحف علينا، فنزلت هذه الآية.
وقرأ الجمهور : صُحُفاً بضم الصاد والحاء، مُنَشَّرَةً مشدّدا وابن جبير : بإسكانها منشرة مخففا، ونشر وأنشر مثل نزل وأنزل. شبه نشر الصحيفة بإنشار اللّه الموتى، فعبر عنه بمنشرة من أنشرت، والمحفوظ في الصحيفة والثوب نشر مخففا ثلاثيا، ويقال في الميت : أنشره اللّه فنشر هو، أي أحياه فحيي.
كَلَّا : ردع عن إرادتهم تلك وزجر لهم عن اقتراح الآيات، بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ، ولذلك أعرضوا عن التذكرة لا لامتناع إيتاء الصحف. وقرأ الجمهور :
يَخافُونَ بياء الغيبة وأبو حيوة : بتاء الخطاب التفاتا. كَلَّا : ردع عن إعراضهم عن التذكرة، إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ : ذكر في إنه وفي ذكره، لأن التذكرة ذكر. وقرأ نافع وسلام ويعقوب : تذكرة بتاء الخطاب ساكنة الذال وباقي السبعة وأبو جعفر والأعمش وطلحة وعيسى والأعرج : بالياء. وروي عن أبي حيوة : يذكرون بياء الغيبة وشد الذال.
وروي عن أبي جعفر : تذكرون بالتاء وإدغام التاء في الذال. هُوَ أَهْلُ التَّقْوى : أي أهل أن يتقى ويخاف، وأهل أن يغفر. وروى أنس بن مالك رضي اللّه تعالى عنه أن النبي صلّى اللّه عليه وسلم فسر هذه الآية فقال :«يقول لكم ربكم جلت قدرته وعظمته : أنا أهل أن أتقى، فلا يجعل يتقى إله غيري، ومن اتقى أن يجعل معي إلها غيري فأنا أغفر له».
وقال الزمخشري : في قوله تعالى وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ، يعني : إلا أن يقسرهم على الذكر ويلجئهم إليه، لأنهم مطبوع على قلوبهم معلوم أنهم لا يؤمنون اختيارا.