البحر المحيط، ج ١٠، ص : ٣٤٤
قوله تعالى : فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ «١»، والأبيات التي أنشدتها المقسم عليه فيها منفي، وكان قد أنشد قول امرئ القيس :
لا وأبيك ابنة العامري لا يدعي القوم إني أفرّ
وقول غوية بن سلمى :
ألا نادت أمامة باحتمالي لتحزنني فلا بك ما أبالي
قال : فهلا زعمت أن لا التي للقسم زيدت موطئة للنفي بعده ومؤكدة له، وقدرت المقسم عليه المحذوف هاهنا منفيا، نحو قولك : لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ، لا تتركون سدى؟ قلت : لو قصروا الأمر على النفي دون الإثبات لكان لهذا القول مساغ، ولكنه لم يقسم. ألاترى كيف لقي لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ «٢» بقوله : لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ «٣»، وكذلك فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ «٤»، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ «٥»؟ ثم قال الزمخشري : وجواب القسم ما دل عليه قوله : أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ، وهو لتبعثن. انتهى، وهو تقدير النحاس. وقول من قال جواب القسم هو : أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ. وما روي عن الحسن أن الجواب : بَلى قادِرِينَ، وما قيل أن لا في القسمين لنفيهما، أي لا أقسم على شيء، وأن التقدير : أسألك أيحسب الإنسان؟ أقوال لا تصلح أن يرد بها، بل تطرح ولا يسود بها الورق، ولو لا أنهم سردوها في الكتب لم أنبه عليها.
والإنسان هنا الكافر المكذب بالبعث.
روي أن عدي بن ربيعة قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم :
يا محمد، حدّثني عن يوم القيامة متى يكون أمره؟ فأخبره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم، فقال : لو عاينت ذلك اليوم لم أصدقك ولم أؤمن به، أو يجمع اللّه هذه العظام بعد بلاها، فنزلت.
وقيل :
نزلت في أبي جهل، كان يقول : أيزعم محمد صلّى اللّه عليه وسلم أن يجمع اللّه هذه العظام بعد بلاها وتفرّقها فيعيدها خلقا جديدا؟
وقرأ الجمهور : نَجْمَعَ بنون، عِظامَهُ نصبا وقتادة : بالتاء مبنيا للمفعول، عظامه رفعا، والمعنى : بعد تفرّقها واختلاطها بالتراب وتطيير الرياح إياها في أقاصي الأرض. وقوله : أَيَحْسَبُ استفهام تقرير وتوبيخ، حيث ينكر قدرة اللّه تعالى على إعادة المعدوم. بَلى : جواب للاستفهام المنسخب على النفي، أي بلى نجمعها. وذكر
(٢) سورة البلد : ٩٠/ ١.
(٣) سورة البلد : ٩٠/ ٤.
(٤) سورة الواقعة : ٥٦/ ٧٥.
(٥) سورة الواقعة : ٥٦/ ٧٨.